أمان الطائفة أم أجندات إيران: من يحمي مصالح الشيعة في لبنان؟

14030713011016904311266010

منذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي، ظهر حزب الله في لبنان كقوة مقاومة، تستمد مشروعيتها من شعارات التحرير وحماية الأراضي اللبنانية. لكن الحزب، ومنذ بداياته، لم يكن مجرد حركة مقاومة محلية، بل نشأ في كنف المشروع الإيراني الذي وجد في لبنان ساحة استراتيجية لتحقيق طموحات إقليمية، بعيداً من مصالح لبنان الوطنية.

ولعل هذا الارتباط الأيديولوجي والسياسي والعسكري بإيران جعل “الحزب” ينساق في صراعات لم تكن بالضرورة تخدم مصلحة طائفته، بل كانت تنفذ أجندة إقليمية عابرة للحدود.

هذا الانخراط المباشر في المشروع الإيراني جعل من الحزب أكثر من مجرد فاعل محلي، ليصبح إحدى أدوات إيران في صراعها مع إسرائيل والدول الغربية، ما حول لبنان، وخاصة مناطق الشيعة، إلى جبهة مفتوحة.

وقد دفع أبناء الطائفة الشيعية ثمناً باهظاً لهذا الخيار، حيث تعرض الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية والبقاع للدمار والتهجير في عدة محطات من تاريخ الحزب، خاصة خلال حرب تموز 2006 مع إسرائيل.

فالمجتمع الشيعي، الذي يتطلع بطبيعته إلى الأمن والاستقرار كبقية المكونات اللبنانية، وجد نفسه على مدار العقود عالقاً في دوامة حروب لا تنتهي، تُخاض على أراضيه وبدماء أبنائه لتحقيق أهداف إيران الإقليمية.

ومع تزايد التدخلات الإيرانية المباشرة في شؤون الحزب، وبعدما فقد العديد من قادته البارزين في المواجهات الأخيرة منذ حرب الإسناد لغزة في أكتوبر 2023، حيث تسببت هذه المواجهات في تهجير واسع لسكان الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، برز التساؤل حول قدرة الحزب على الاستمرار في قيادة الطائفة، خاصة في ظل هيمنة إيرانية مباشرة تتحكم في القرارات. لقد أصبح الحزب أكثر ارتباطاً بطهران، وأقل قدرة على الاستجابة لتطلعات المجتمع الشيعي في لبنان الذي لم يجلب له هذا الارتباط سوى مزيد من المعاناة والدمار.

وفي مقابل هذا النهج، يطالب حزب القوات اللبنانية بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وإقامة دولة عادلة قوية تشمل جميع المكونات اللبنانية من دون استثناء. رؤية القوات اللبنانية، ومن يقف معها في هذا الطرح، تقوم على مبدأ أنّ السبيل الوحيد لتأمين سلامة كل اللبنانيين، بما فيهم الشيعة، هو أن تستلم الدولة وحدها امتلاك واستخدام السلاح، وأن تكون القرارات السيادية جزءاً من مصلحة وطنية شاملة، وليس محكومة بتحالفات خارجية. فقيام دولة عادلة تحمي الشعب من ويلات الحروب المتكررة، وتعطي كل مكوناته شعوراً بالأمان بعيداً من أي مشروع إقليمي.

هنا يبرز السؤال الوجودي: ما هي الحماية الحقيقية، ومن هم الأوصياء الحقيقيون على الطائفة الشيعية؟ هل هم من يقودون الطائفة إلى معارك لا تنتهي خدمة لأجندات إقليمية، أم هم من يطالبون بقيام دولة شاملة عادلة تكفل لجميع مواطنيها حقوقهم وكرامتهم؟

قد تكون المفارقة الكبرى أن من يرفع شعارات المقاومة والحرية باسم الطائفة الشيعية، يجرّها إلى مصير مليء بالمآسي والتضحيات. في حين أن من يدعو إلى قيام الدولة هو من يسعى لحماية أبنائها من ويلات الحرب. وبين هذين الخيارين، تقف الطائفة الشيعية اليوم على مفترق طرق؛ إمّا البقاء في سياق صراعات إقليمية لا تنتهي، وإما البحث عن مستقبل آمن ضمن كيان دولة قوية لا يُختصر فيها السلاح بيد حزب أو جماعة، بل هو سلاح موحد ضمن سلطة وطنية، يهدف إلى حماية الوطن بأكمله.

يبقى الجواب الحقيقي على هذه التساؤلات مرهوناً بوعي أبناء الطائفة الشيعية أنفسهم، وقدرتهم على تقييم مصالحهم بعيداً عن الولاءات الخارجية. فإذا كانت الدولة القوية العادلة هي الضامن الحقيقي لحقوقهم وكرامتهم، فإن مشروع الدولة يتطلب منهم إعادة النظر في دعمهم لمن يزجّهم في مشاريع إقليمية، ليكونوا جزءاً من كيان وطني متماسك بعيداً عن نزاعات خارجية لا تخدمهم.

وهنا، قد تكمن المفارقة الفلسفية والوجودية الكبرى في التجربة الشيعية في لبنان؛ إذ يتساءل المرء، في عمق هذا الصراع: هل المقاومة الحقيقية هي مقاومة الخارج، أم مقاومة الداخل، حين يُحكم من الخارج ويُفقد استقلاليته؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: