لطالما كانت الملفات القضائية، ذات الطابع السياسي، محط متابعة من الرأي العام اللبناني. يتابعها بتفاصيلها، ولو تشعبت، ثم ما يلبث أن يتركها ويهملها، إما لإدراكه باستحالة مقاضاة “اصحاب النفوذ”، والتجارب عديدة، وإما لخروج قضية جديدة الى الاضواء تغطي على القضية السابقة، وهكذا دواليك.
وفي قضية وزير الاقتصاد والتجارة السابق أمين سلام، والملاحق فيها ايضاً شقيقه (الموقوف) كريم، ومستشاره (المخلى سبيله) فادي تميم، ونقيب خبراء المحاسبة المجازين إيلي عبود، ومن يظهره التحقيق.. تبرز عدة معطيات وتساؤلات ينبغي التوقف عندها.
ليس في معرض الدفاع عن أحد بشكل مطلق، ولا في معرض الإدانة المطلقة العمياء، بل في معرض إظهار الحقيقة كما هي أمام الراي العام، وإبعاد كل الحسابات السياسية والشخصية عنها.
ولأن التساؤلات كثيرة، كان لا بد من مراجعة مصادر حقوقية عليمة ركّزت -كمرحلة أولى- على بعض التساؤلات، ومنها وفي مقدمتها أنه عند المتابعة لخلفيات القضية، تبرز مصالح شركات التأمين كحافز، بل محرض، على كل هذا السياق القضائي والسياسي وحتى الإعلامي.
فالاجراءات التي قام بها الوزير السابق سلام خلال توليه شؤون لجنة مراقبة هيئات الضمان، تقول المصادر، يمكن وصفها بأنها مواجهة ضارية مع شركات التأمين، خصوصاً في ملف تعويضات إنفجار مرفأ بيروت. ولا يخفى على أحد بأن معظم شركات التأمين، وكذلك المصارف والشركات التجارية الكبرى في لبنان، هي مملوكة -كلياً أو جزئياً- من سياسيين يتولون السلطة منذ عقود. وهنا النقطة الاساسية في كل ما يحصل.
نقطة أخرى هي إغفال تقارير محاسبية أفضت الى ما يُعاكس مضمون الإخبار المقدم من اللجنة النيابية (لجنة الاقتصاد والتجارة النيابية برئاسة النائب فريد البستاني)، والذي كان الشرارة خلف كل هذه القضية. فالتقارير المحاسبية، ومنها للخبير وديع عبد النور، لم يتم ضمّها للقضية ولم يتم نقضها أو حتى الاستماع الى مُعدّيها، والذي من شأن ذلك إدخال معطيات حسابية قد تعيد النظر بالتوجه القضائي في القضية.
كما أن مسألة سحب الاموال بطريقة فردية من قبل الوزير السابق سلام، كما ورد في الإخبار النيابي ضده، لا ينطبق على الوقائع. إذ أن سحب الاموال اعتمد قاعدة التوقيع المزدوج وهو توقيع المحاسب المسؤول.
فكان محاسب يدعى رضا تامر هو من يوقع، وبعده الموظفة في قسم المحاسبة باللجنة سحر بزي، وهي نفسها التي كانت توقع على الاستلام المادي للأموال من المصرف حيث كان يتم ايداعها في الصندوق الحديدي الخاص بلجنة الرقابة، وهي نفسها -اي بزي- كانت مسؤولة عن المصاريف وتقوم باستلام الاموال من الخزنة الحديدية لتسديد النفقات والدفع والصرف بما في ذلك مخصصات والمساعدات الاجتماعية للموظفين.
وفي سياق متصل، سألت مصادر قضائية تقاعدت منذ فترة قصيرة، عن “السرعة” في فتح ملف الوزير السابق أمين سلام، مستندة الى تجربتها الشخصية حين كانت تتولى ملفات مشابهة، حيث أن السير بها كان يتطلب متابعة أكثر دقة وأكثر توثيقاً وتعليلاً. في حين أن في ملف سلام كانت الوتيرة “غير مألوفة”.
في المحصلة، كثيرة هي التساؤلات، وهي مشروعة ومن حق الراي العام أن تكون واضحة وشفافة امامه، تماماً كما الحرص على المال العام ومحاسبة كل فاسد ومرتكب.