إلى متى الاتكالية في سياسة لبنان؟

lebanon-1

سؤال يُطرح في الأوساط الدبلوماسية والمراقبة للملف اللبناني منذ فترة.

ثمة منطقٌ معتمد في السياسة اللبنانية ينطلق من اعتبار العالم بأسره مُلزَمًا بحلّ مشاكلنا الداخلية التي نتهرّب، على طريقتنا اللبنانية، من حلّها بأنفسنا.

فنُراهن على مفاوضات إقليمية ودولية من هنا، وعلى حركة موفدين من هناك، ذهابًا وإيابًا، وسفريات رسمية ولقاءات الزعماء وكبار حكّام الدول… ونطلب تدخل الصديق والشقيق، ونقيم الدنيا ولا نقعدها، لأن في صميم اعتقادنا الخاطئ أن العالم بأسره لا يتنفس ولا يحيا إلا من خلال تعافي لبنان!

أبرز دليل على ذلك ما يحصل من انطلاق قطار التسويات في المنطقة، تارة “على الحامي” وتارة “على البارد”، فبرزت المبادرات الحاسمة، مثال سوريا التي بدأت تلحق بقطار السلام والازدهار، وقد نجحت قيادتها ليس فقط في اقتناص فرصتها، لا بل وأكثر، وبدعم سعودي مباشر، في فرضها على طاولة الكبار وإدخالها في معادلة الحلول وسكّة المستقبل.

فهل نحتاج للتذكير باللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض برعاية ودعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؟ وهل ننسى كيف أعلن الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا؟

طبعًا هذا اللقاء حصل لأن كانت في جعبة الرئيس الشرع “شيء ما” يُعطيه للرئيس ترامب… فما في جعبة لبنان ليُعطيه؟

مشكلتنا في لبنان أننا، وإزاء كل التطورات والتغييرات الجذرية في المشهد الإقليمي ومعادلاته الجديدة وحساباته، لا نزال نراهن على أن كلما اجتمع زعيمان في العالم، كان لبنان على بساط البحث. وقد يكون أحيانًا ذلك صحيحًا، إنما ليس من منطلق أن الخارج يأتينا بالحلول، بل من منطلق أن الخارج ينتظر منّا تنفيذ ما اتفقنا عليه وتعهدنا بتنفيذه، وما يجب أن يكون اهتمامنا الداخلي الأول.

نسمع في الآونة الأخيرة “موسيقى” مفادها أن مطلب جمع السلاح وحصريته مطلب لبناني أولًا، وهذا أمر جميل. والسؤال: طالما أن الموضوع مطلب لبناني أولًا، فماذا فعل لبنان إلى الآن، ومنذ أشهر وليس أسابيع، بهذا الاتجاه؟

لا شيء، سوى قلب معادلة المنطق برمي كرة التنفيذ على العدو المحتل. فبدلًا من أخذ المبادرة لحسم أمرنا فيما تعهدنا به، ألقينا على الاحتلال الغاصب مسؤولية إنقاذ أنفسنا، وكأن الاحتلال جمعية خيرية من مصلحتها مساعدة اللبنانيين على استعادة سيادتهم!

والأدهى من ذلك أننا توجهنا ونتوجّه إلى الراعي الكبير الأميركي لنطلب منه الضغط على إسرائيل لسحب قوات الاحتلال من النقاط الخمسة التي جلبتها حرب الإسناد إلى لبنان، فيما الراعي يردّ علينا في كل مرة:

“متى جمع السلاح؟ ومتى حَصريّته؟”

راهنّا على المفاوضات الأميركية-الإيرانية، ثم راهنّا على الحرب الإسرائيلية-الإيرانية بأنهما سوف يأتيان لنا بالحلول… فعن أي حلول نتحدث؟ وما هذا الخطأ الاستراتيجي المميت في هكذا رهانات؟

لبنان مهدد جديًا بخسارة الفرصة الإقليمية والدولية المتاحة أمامه لاستعادة سيادته وسلطته وبناء الدولة الجديدة.

فكيف يمكن تحقيق ذلك بمنطق الاتكالية على الأميركي والفرنسي والأوروبي والعربي والخليجي لحل مشاكله؟ وإذا تدخلت دولة صديقة أو شقيقة لمساعدتنا، تنتفض عند البعض الغيرة على السيادة والاستقلال و”منع التدخل في شؤون لبنان”… فيحتار العالم كيف يتعاطى معنا!

أين الديناميكية الخليجية، وتحديدًا السعودية، على غرار الديناميكية في الموضوع السوري؟

أين مشاريع الإعمار والأموال والاستثمارات الأجنبية والعربية في لبنان؟

لماذا هذا الجمود، وكل تركيزنا على صندوق النقد الدولي، الذي لن يُفرج عن دولار واحد في نهاية المطاف إلا بأمر من الأميركيين والمجتمع الدولي والأشقاء العرب؟

ألم يحن الأوان بعد لنأخذ، كلبنانيين، دولةً ومؤسساتٍ وأجهزة، زمام المبادرة ونبدأ بالخطوات الجدية لنزع سلاح المخيمات الفلسطينية؟

ألم يحن الأوان بعد لبدء وضع خطة زمنية محددة لجمع سلاح حزب الله شمال الليطاني؟

ألم يحن بعد الأوان لندرك أن لبنان، على أجندات دول العالم، في أدنى مراتب الأولوية، ما يستدعي منّا أن ننهض بأنفسنا كي يساعدنا الأصدقاء والأشقاء؟

ننتظر موفدًا من هنا وآخر من هناك، فيما نحن لا نقوم بأي تحرك لإقناع الآخرين بالمساعدة… ونتذاكى على الموفدين و”نسولف” معهم، ظنًا منّا أن مأدبة غداء من هنا، أو عشاء من هناك، أو سيجار فاخر من هنالك، سوف يُعدّل توجّهات وسياسات واستراتيجيات القوى الإقليمية والدولية!

إلى متى هذه الاتكالية المرضيّة؟

إلى متى التعويل على الغير لتنفيذ ما يُطلب منّا أولًا؟

فقبل أن تتهم الآخرين بعدم الالتزام، فلنبدأ بتنفيذ ما تعهّدنا به، وما التزمنا تجاه المجتمع العربي والدولي به.

وإن اللبيب من الإشارة يفهم.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: