هي ليست المرة الأولى التي يقدم فيها القيادي في التيار الوطني الحر نسيب حاتم استقالته من التيار، ففي شباط من العام ٢٠٢٠ قدّم حاتم استقالته وذلك على خلفية بعض التعديلات التي تم إدخالها على النظام الداخلي للتيار، لكنه لم يقطع التواصل بشكل نهائي مع "الأصدقاء" في التيار، واعداً بالوقوف الى جانبهم كما ورد في تسجيل صوتي.
اليوم وبعد مرور خمس سنوات على الاستقالة الأولى يبدو أن "خيط الود" قد انقطع بشكل لا رجوع عنه، إذ في خطوة مفاجئة لكنها غير معزولة عن سياق التوترات الداخلية، عاد حاتم، المسؤول السابق عن الماكينة الانتخابية والمستشار الخاص لرئيس التيار للشؤون الانتخابية، وقدّم استقالته من موقعه، بعد خلاف عميق مع رئيس التيار جبران باسيل، ما شكّل صدمة داخل الأوساط القيادية والحزبية على حد سواء.
ماذا وراء الاستقالة؟
المعلومات المتوافرة تشير إلى أن الاستقالة جاءت نتيجة تراكمات وخلافات في الرؤية حول إدارة المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل التحديات التنظيمية والسياسية التي يواجهها التيار بعد سلسلة من الانتكاسات الانتخابية وتراجع الشعبية في الشارع المسيحي، فحاتم كان من الأصوات الداعية إلى مراجعة شاملة للسياسات الداخلية واعتماد نهج تشاركي أكثر شفافية، الأمر الذي لم يلقَ تجاوباً كافياً من القيادة، ما أدى إلى تصاعد التوتر وانتهى بانسحابه.
خسارة شخصية وازنة وخبرة انتخابية
حاتم هو من الكوادر الأساسية التي أسهمت في تنظيم الحملات الانتخابية، وكان يحظى بثقة واسعة داخل صفوف التيار، نظرًا لخبرته وقدرته على إدارة الملفات المعقدة، خصوصاً في الاستحقاقات الانتخابية.
لذلك، تعتبر استقالته خسارة فادحة للتيار، لما يمثله من رمزية تنظيمية وشخصية ذات حضور قوي داخل الجهاز المركزي التنفيذي.
أبعد من الاستقالة
هذه الاستقالة المفاجئة بتوقيتها وعلى أبواب انتخابات نيابية مقبلة في أيار يبدو أنها لم تأتِ بمعزل عن سلسلة انسحابات واستقالات طالت قيادات وكوادر بارزة خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس اهتزازاً داخلياً وتراجعاً في التماسك التنظيمي.
ويرى مراقبون أن خروج شخصيات بحجم نسيب حاتم يعكس أزمة قيادة وتنامي الاستياء الداخلي من طريقة إدارة الملفات السياسية، مؤكدين أن التيار يعيش مرحلة إعادة تموضع صعبة قد تهدد موقعه في المشهد الوطني.
هل من مراجعة داخلية؟
أوساط سياسية تعتبر أن استقالة حاتم هي جرس إنذار جديد للتيار، يستوجب مراجعة شاملة للنهج المتّبع وإعادة فتح قنوات الحوار مع الكوادر المستاءة، قبل أن تتفاقم الأزمة وتتحول إلى نزيف داخلي يصعب احتواؤه، فاستقالة حاتم لا تُعدُّ حدثًا عابراً، بل هي إشارة واضحة إلى أزمة بنيوية داخل التيار الوطني الحر، وتأكيد أنّ سياسة الإقصاء وتهميش الأصوات الناقدة بدأت تُنتج نتائج خطيرة، أبرزها فقدان الكفاءات الأساسية التي شكّلت على مدى سنوات عماد التيار ورافعة نجاحاته السابقة.