افتتاحية LebTalks: لبنان بين "الجارتَين".. دولةٌ تتأرجح على خيطٍ مشدود

lebanon-1

من المشهد الناري في المصيلح إلى شمال الليطاني، مروراً بالتصعيد الأمني على الحدود والعلاقات اللبنانية – السورية التي تعود إلى الواجهة، يعيش لبنان أسبوعاً جديداً يرسم ملامح مرحلة دقيقة في توازناته الداخلية والإقليمية، حيث تتقاطع الملفات الأمنية والديبلوماسية في مشهدٍ واحد عنوانه: اختبار الدولة.

شمال الليطاني.. درع الوطن في وجه النار

فالمنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني تثبت مجدداً أنّها الحدّ الحقيقي للسيادة اللبنانية، حيث عزّز الجيش اللبناني انتشاره الميداني في الأيام الأخيرة، في ظلّ تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على محيط القرى الجنوبية.

وتشير مصادر متابعة إلى أنّ "المؤسسة العسكرية تمارس استنفاراً محسوباً، يحافظ على التوازن بين الردع الميداني ومنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة، بالتوازي مع مساعٍ ديبلوماسية يقودها لبنان عبر القنوات الدولية لتثبيت القرار 1701 وتجنّب انفجار الميدان".

لكنّ المشهد، وفق مصادر ديبلوماسية في بيروت، "لم يعد يحتمل المزيد من المراوغة، إذ يبدو أنّ الجنوب اللبناني دخل مرحلة الاختبار الحقيقي بين خيار تثبيت الهدنة أو الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، وسط تساؤلات حول مدى قدرة الدولة اللبنانية على فرض قرارها داخل حدودها، أو ما إذا كانت البلاد ستبقى رهينة التوازنات الإقليمية".

التصعيد الإسرائيلي.. رسائل بالنار الى "الأخ الاكبر"

فالقصف الإسرائيلي الأخير على محيط المصيلح لم يكن مجرّد خرق أمني عابر.

مصادر سياسية تعتبر أنّ "الرسالة كانت سياسية بامتياز، وُجّهت مباشرة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، باعتباره الواجهة التفاوضية لحزب الله في المرحلة الحالية، إذ إن الغارات استهدفت محيط قصر رئيس المجلس".

فإسرائيل تسعى من خلال هذه الضربات إلى فرض معادلات جديدة بالنار، والضغط على من تصفهم بالضامنين المحليين لحزب الله من أجل دفعه إلى إعادة النظر في تموضعه الميداني جنوباً.

العلاقات اللبنانية – السورية.. مسار جديد

في موازاة التصعيد الأمني، يسجّل تحوّل لافت في العلاقات اللبنانية – السورية. فمن ملف الموقوفين والنازحين السوريين إلى قضايا التبادل التجاري وترسيم الحدود، تعود الاتصالات الرسمية بين بيروت ودمشق في مناخٍ أكثر "واقعية"، وفق ما تؤكد مصادر حكومية مطلعة.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى عدد من المسؤولين اللبنانيين، فتحت صفحة جديدة في التنسيق الثنائي، ترجمتها ستظهر الثلثاء، مع انعقاد اجتماعات تنفيذية بين ممثلين عن الحكومتين لمتابعة ملف السجناء السوريين في لبنان.

وتعتبر مصادر ديبلوماسية أنّ "هذا الانفتاح يعكس توجهاً عملياً من جانب الحكومة اللبنانية نحو إدارة الملفات مع دمشق بعيداً من الاصطفافات السياسية السابقة، خصوصاً في ظلّ ضغوط الاتحاد الأوروبي على بيروت لإيجاد آلية منظمة لإعادة النازحين، وازدياد الحديث عن مقايضة بين المساعدات الدولية والتقدّم في هذا الملف".

دولة على خيطٍ مشدود

فلبنان يقف اليوم بين جارتَيه على مفترق طرق. من جهة، إسرائيل، التي يشير الواقع إلى إمكانية أن يتحول الوضع معها إلى سلام طويل الأمد على المدى البعيد إذا توفرت الإرادة السياسية والضمانات الدولية

ومن جهة أخرى، سوريا، التي بدأت فتح مسارات دبلوماسية جديدة، ما يتيح للبنان فرصة استثمار القنوات الرسمية لإنهاء الملفات العالقة، وتأمين الحدود وتعزيز موقف الدولة على الصعيد الإقليمي.

وبين الجارتين والضغوط الدولية، يسير لبنان على خيط رفيع بين الانفجار والفوضى. درع الشمال يحمي الأرض، لكنّ درع الدولة لا يزال بحاجة إلى قرار سياسي واضح وإرادة وطنية جامعة قادرة على استعادة المبادرة، وتثبيت الاستقرار قبل أن تفلت المبادرات الخارجية من السيطرة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: