يعيش لبنان هذا الأسبوع على وقع مجموعة تطورات متشابكة، تعكس صورة بلد لا يهدأ، يتأرجح بين خطوات إصلاحية واعدة وتصعيد أمني مقلق، وبين مبادرات ديبلوماسية تفتح الباب على أمل خافت باستقرار قريب.
أبرز ما سُجل داخلياً كان إدخال 3 تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب، وهو إنجاز يسجَّل للمغتربين والنواب السياديين على رأسهم القوات اللبنانية الذين خاضوا معركة قانونية وسياسية وإعلامية منذ أشهر. هذا القرار ليس تفصيلاً، بل رسالة واضحة من اللبنانيين في الخارج بأنهم ليسوا مجرد "خزان تحويلات مالية"، بل جزء أساسي من القرار الوطني والمحاسبة السياسية.
في المقابل، بدت الحكومة هذه المرة أقرب إلى الشارع، بعدما أظهرت استعداداً للاستماع إلى نبض الناس والتفاعل مع مطالبهم، لتثبت أنها تقف إلى جانب الشعب حين تتوفر الإرادة.
لكن هذا التطور الإيجابي يفتح الباب أمام سؤال أكبر، هل سيدرج رئيس مجلس النواب نبيه بري قانون الانتخاب المعدل على جدول أعمال الجلسة العامة المقبلة؟ القرار سيكون اختباراً حقيقياً لنية بري في السير نحو إصلاح انتخابي شامل، يعيد الثقة بالعملية الديموقراطية.
وفي موازاة كل هذه التطورات، تحمل زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت إشارات بالغة الدلالة. إذ تشدد الوزارة على ضرورة ضبط القنوات المالية ومنع أي خرق للعقوبات، ما يشير إلى أن واشنطن تتابع عن قرب الأداء الحكومي، ولا سيما نهج رئيس الحكومة نواف سلام في إدارة الملفات الاقتصادية بشفافية وتوازن.
الزيارة ليست تقنية فقط، بل تحمل أيضاً رسالة سياسية مفادها أن المجتمع الدولي مستعد لدعم لبنان، شرط أن يثبت التزامه بالإصلاح ومكافحة الفساد، وألا يتحول نظامه المالي مجدداً إلى مساحة رمادية بين الشرعية والفوضى.
على المقلب الآخر، لا يبدو أن المشهد الأمني في الجنوب يسير بالاتجاه ذاته من الهدوء. فالتصعيد الإسرائيلي عاد إلى الواجهة، وسط غارات وتهديدات متكررة، بعضها طال مناطق مدنية، ما أعاد التوتر إلى الحدود الجنوبية. وفي الوقت نفسه، يعمل الجيش اللبناني، بدعم من قوات "اليونيفيل"، على ضبط أي خرق ومحاولة منع تفاقم الوضع، وسط ضبابية إقليمية تجعل الجنوب مرآة لصراعات أوسع من حجمه الجغرافي.
فالرؤية الأميركية تشدد وبوضوح على أن لبنان لا يمكن أن يكون لاعباً فاعلاً في المنطقة أو يستقطب الاستثمارات والخطوات الاقتصادية الكبرى إلا بعد استعادة الدولة سيطرتها الكاملة. وكما قال السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، فالقرار اللبناني اليوم مرتبط بوجود قوة مسلحة خارج مؤسسات الدولة، وهو ما يضع قيوداً على أي خطوة ديبلوماسية أو اقتصادية. حتى الاستثمارات الأجنبية، التي يبحث عنها لبنان بشدة، لا تأتي إلا إذا كانت هناك ضمانات سياسية وأمنية واضحة بأن الأموال والمشاريع لن تستغل في سياق نفوذ إيراني، وأن الدولة قادرة على حماية حقوق المستثمرين وضمان استمرارية المشاريع.
إضافة إلى ذلك، السيطرة الكاملة للدولة تعني أن الخطط الاقتصادية الكبرى والتعاون الإقليمي لن تكون رهينة مصالح غير وطنية، بل ستبنى على أساس سياسات واضحة وتوافق داخلي يمثل اللبنانيين جميعاً. من دون هذا الأساس، يبقى لبنان في هامش المنطقة، غير قادر على ترجمة أي فرص إلى واقع ملموس، وسيظل عرضة لضغوط خارجية وتأثيرات القوى الإقليمية التي قد تتحكم في خياراته السياسية والاقتصادية بعيداً من إرادة شعبه.
في هذا السياق، دخلت مصر على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل بشكل غير مباشر، فلم يكن مفاجئاً أن يطلب حزب الله الحصول على ضمانات واضحة من الجانب المصري، تضمن أن أي مسار تفاوضي لن يترجم بتنازلات إضافية تمس الثوابت التي يتمسك بها في ملف الحدود أو السلاح. هذه المقاربة تظهر أن الحزب يتعامل مع الوساطة بحذر، محاولاً الموازنة بين الحاجة إلى التهدئة والتمسك بشروطه السياسية والأمنية.
في الخلاصة، يقف لبنان هذا الأسبوع بين إنجاز ديموقراطي يعيد الثقة بدور المواطن، وتصعيد أمني يهدد الاستقرار الهش، وحراك ديبلوماسي عربي يعيد الأمل بتوازن إقليمي.
بلد صغير في الجغرافيا، لكنه يبقى ساحة اختبار كبرى لكل من يراهن على أن صوت العقل يمكن أن يتغلب على ضجيج الحرب.
يعيش لبنان هذا الأسبوع على وقع مجموعة تطورات متشابكة، تعكس صورة بلد لا يهدأ، يتأرجح بين خطوات إصلاحية واعدة وتصعيد أمني مقلق، وبين مبادرات ديبلوماسية تفتح الباب على أمل خافت باستقرار قريب.
أبرز ما سُجل داخلياً كان إدخال 3 تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب، وهو إنجاز يسجَّل للمغتربين والنواب السياديين على رأسهم القوات اللبنانية الذين خاضوا معركة قانونية وسياسية وإعلامية منذ أشهر. هذا القرار ليس تفصيلاً، بل رسالة واضحة من اللبنانيين في الخارج بأنهم ليسوا مجرد "خزان تحويلات مالية"، بل جزء أساسي من القرار الوطني والمحاسبة السياسية.
في المقابل، بدت الحكومة هذه المرة أقرب إلى الشارع، بعدما أظهرت استعداداً للاستماع إلى نبض الناس والتفاعل مع مطالبهم، لتثبت أنها تقف إلى جانب الشعب حين تتوفر الإرادة.
لكن هذا التطور الإيجابي يفتح الباب أمام سؤال أكبر، هل سيدرج رئيس مجلس النواب نبيه بري قانون الانتخاب المعدل على جدول أعمال الجلسة العامة المقبلة؟ القرار سيكون اختباراً حقيقياً لنية بري في السير نحو إصلاح انتخابي شامل، يعيد الثقة بالعملية الديموقراطية.
وفي موازاة كل هذه التطورات، تحمل زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت إشارات بالغة الدلالة. إذ تشدد الوزارة على ضرورة ضبط القنوات المالية ومنع أي خرق للعقوبات، ما يشير إلى أن واشنطن تتابع عن قرب الأداء الحكومي، ولا سيما نهج رئيس الحكومة نواف سلام في إدارة الملفات الاقتصادية بشفافية وتوازن.
الزيارة ليست تقنية فقط، بل تحمل أيضاً رسالة سياسية مفادها أن المجتمع الدولي مستعد لدعم لبنان، شرط أن يثبت التزامه بالإصلاح ومكافحة الفساد، وألا يتحول نظامه المالي مجدداً إلى مساحة رمادية بين الشرعية والفوضى.
على المقلب الآخر، لا يبدو أن المشهد الأمني في الجنوب يسير بالاتجاه ذاته من الهدوء. فالتصعيد الإسرائيلي عاد إلى الواجهة، وسط غارات وتهديدات متكررة، بعضها طال مناطق مدنية، ما أعاد التوتر إلى الحدود الجنوبية. وفي الوقت نفسه، يعمل الجيش اللبناني، بدعم من قوات "اليونيفيل"، على ضبط أي خرق ومحاولة منع تفاقم الوضع، وسط ضبابية إقليمية تجعل الجنوب مرآة لصراعات أوسع من حجمه الجغرافي.
فالرؤية الأميركية تشدد وبوضوح على أن لبنان لا يمكن أن يكون لاعباً فاعلاً في المنطقة أو يستقطب الاستثمارات والخطوات الاقتصادية الكبرى إلا بعد استعادة الدولة سيطرتها الكاملة. وكما قال السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، فالقرار اللبناني اليوم مرتبط بوجود قوة مسلحة خارج مؤسسات الدولة، وهو ما يضع قيوداً على أي خطوة ديبلوماسية أو اقتصادية. حتى الاستثمارات الأجنبية، التي يبحث عنها لبنان بشدة، لا تأتي إلا إذا كانت هناك ضمانات سياسية وأمنية واضحة بأن الأموال والمشاريع لن تستغل في سياق نفوذ إيراني، وأن الدولة قادرة على حماية حقوق المستثمرين وضمان استمرارية المشاريع.
إضافة إلى ذلك، السيطرة الكاملة للدولة تعني أن الخطط الاقتصادية الكبرى والتعاون الإقليمي لن تكون رهينة مصالح غير وطنية، بل ستبنى على أساس سياسات واضحة وتوافق داخلي يمثل اللبنانيين جميعاً. من دون هذا الأساس، يبقى لبنان في هامش المنطقة، غير قادر على ترجمة أي فرص إلى واقع ملموس، وسيظل عرضة لضغوط خارجية وتأثيرات القوى الإقليمية التي قد تتحكم في خياراته السياسية والاقتصادية بعيداً من إرادة شعبه.
في هذا السياق، دخلت مصر على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل بشكل غير مباشر، فلم يكن مفاجئاً أن يطلب حزب الله الحصول على ضمانات واضحة من الجانب المصري، تضمن أن أي مسار تفاوضي لن يترجم بتنازلات إضافية تمس الثوابت التي يتمسك بها في ملف الحدود أو السلاح. هذه المقاربة تظهر أن الحزب يتعامل مع الوساطة بحذر، محاولاً الموازنة بين الحاجة إلى التهدئة والتمسك بشروطه السياسية والأمنية.
في الخلاصة، يقف لبنان هذا الأسبوع بين إنجاز ديموقراطي يعيد الثقة بدور المواطن، وتصعيد أمني يهدد الاستقرار الهش، وحراك ديبلوماسي عربي يعيد الأمل بتوازن إقليمي.
بلد صغير في الجغرافيا، لكنه يبقى ساحة اختبار كبرى لكل من يراهن على أن صوت العقل يمكن أن يتغلب على ضجيج الحرب.