افتتاحية LebTalks: نداء السلام الأخير

WhatsApp Image 2025-11-02 at 19.10.29_552216e0

يبدو أنّ مسار الأحداث في لبنان دخل مرحلة الحسم، فبعدما أرجأ الموفد الأميركي توم براك زيارته إلى بيروت، تبيّن أن الغموض لم يعُد سيّد الموقف، بل إنّ الأميركيين تركوا الأمور "تنضج" على نارهم، إلى أن باتت واضحة، السلام آتٍ لا محال.

لكن قبل أن تفرش طاولة المفاوضات، تتّجه المنطقة إلى ما يشبه "فشة خلق" إسرائيلية أخيرة، ضربة تريدها تل أبيب استعراضاً للقوة أكثر منها معركة حقيقية.

في واشنطن، لم يعُد الحديث عن "احتمالات" أو "تكهّنات"، بل عن مسار تفاوضي واضح، يتقدّم بثبات نحو اتفاق يتجاوز فكرة الهدنة الموقتة، ليقترب من تفاهم طويل الأمد، سلام ناقص ربما، لكنه ضروري في ميزان المصالح الإقليمية والدولية. وفي قلب هذا المشهد، يقف رئيس الجمهورية جوزاف عون أمام خيار واحد لا ثاني له، هو التفاوض المباشر، وكلّ بديل آخر يعني استمرار الاستنزاف في بلد لم يعُد يحتمل مزيداً من الانهيار.

وفي حال تحقّقت التهديدات الإسرائيلية واستُهدفت الضاحية الجنوبية، ستكون التداعيات الاجتماعية فورية، فالنزوح الداخلي سيكون شبه حتمي، والمدارس الرسمية ستتحوّل مجدداً إلى مراكز إيواء. وهنا تُطرح الأسئلة الصعبة، هل يتحمّل القطاع التربوي موجة نزوح جديدة وهو بالكاد بدأ عامه الدراسي؟ وهل يُكتب للتلاميذ أن يعيشوا عاماً آخر من الانقطاع، فيما الصفوف تُقفل والأقلام تُطفأ أمام ضجيج الحرب؟

ومع سخونة الملف السياسي، يزداد المشهد الروحي رمزية مع اقتراب زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان، زيارة تحمل الرجاء لشعب أنهكته الأزمات، لكنها تأتي معلّقة على إيقاع التصعيد. فهل يتحوّل قدوم البابا إلى رمز للسلام بعد العاصفة، أم تسبقه الضربة وتفرض واقعاً جديداً على الأرض؟

المفارقة أنّ الزيارة التي كان يُفترض أن تُعيد الأمل، باتت اليوم مرتبطة بخطر الحرب أكثر مما هي وعد بالطمأنينة.

في خضمّ هذا المشهد، يقف لبنان على حدود كلّ شيء، بين الحرب والسلام، وبين الرجاء واليأس، لكنّ المؤكّد أنّ هذه المرّة مختلفة، لأنّ السلام، كما يُقال في الكواليس، آتٍ لا محالة، لكن بأيّ ثمن؟ ومن سيدفع الكلفة قبل أن تُرفع الرايات البيضاء؟

صوتٌ يعلو فوق ضجيج الحرب

لكن خلف ضجيج الحرب والسلم، يطلّ ملفّ آخر لا يقلّ أهمية، هو ملفّ المغتربين اللبنانيين.

منذ سنوات، يتكرّر الحديث عن مشاركتهم في الانتخابات وحقّهم بالاقتراع لـ128 نائباً من حيث هم، لكن الوعود تبقى معلّقة في الهواء. هؤلاء الذين أنقذوا الاقتصاد بتحويلاتهم، وحملوا صورة لبنان إلى كل زاوية في العالم، يُتركون في كلّ مرة خارج دائرة التأثير الحقيقي، وكأنّ انتماءهم يقاس ببعدهم الجغرافي لا بدورهم الوطني.

وحتى اللحظة، لم يُحسم موضوع تصويت المغتربين في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، فيما تتّجه الأنظار إلى اللجنة الوزارية التي ستبدأ اجتماعاتها الثلثاء لدراسة الآلية وتحديد الموقف النهائي. وبين التريّث الرسمي والمطالب الشعبية، يزداد شعور المغتربين بأنّ صوتهم لا يزال أسير الحسابات السياسية.

وفي الأيام الأخيرة، ارتفع صوت الاغتراب مجدداً، فها هي مونتريال، وباريس تشهدان وقفات احتجاجية تعبّر عن غضب جالية تشعر أنّها تُستدعى حين تحتاجها السلطة، وتُنسى حين يقترب موعد المحاسبة.

اللبناني في الاغتراب ليس متفرجاً على بلده، بل جزء من نبضه، هو من موّل صموده، ورفع صورته، وحافظ على إيمانه رغم كلّ ما مرّ عليه من خيبات، وتجاهل صوته اليوم هو تكرار لخطأ تاريخي، لأنّ لبنان لا يمكن أن يعيش بنصفه المقيم فقط، بل بجناحَيه المقيم والمغترب معاً.

هكذا، يتقاطع المشهدان، مشهد التفاوض على مستقبل الحدود ومشهد المطالبة بحقّ المشاركة في القرار، ليشكّلا صورة واحدة للبنان أمام اختبار الحقيقة.

بلدٌ يقف بين حرب جديدة أو تسوية أخيرة، بين عزلة إضافية أو انفتاح متأخّر، وبين أن يستعيد قراره أو أن يُترك خارج اللعبة تماماً.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: