التاريخ همَّشَهم و"الطائف" أنصَفَهم.. علويو لبنان بين الخوف الطائفي والإنتماء الوطني

Lebanese Flag Lebanon

كتبت لينا البيطار: قلّةٌ من اللبنانيين تعرف أن لبنان اعترف بكيان ووجود "الطائفة العلوية" كأحد مكوّنات النسيج اللبناني المتنوّع بعد التوقيع على إتفاق الطائف في العام 1989 لا قبله، وأنه في العام 1992 تمَّ منح هذه الأقلية الدينية حق التمثيل في البرلمان اللبناني بنسبة 2 في المئة بمقعدين نيابيين واحد عن عكار والثاني عن طرابلس ،وأنه في العام 1995 صدر عن مجلس النواب قانون حملَ الرقم 449 بموجبه يمنح الطائفة العلوية حق تنظيم شؤونها الدينية وإدارة أوقافها ومؤسساتها الخيرية والتربوية والاجتماعية طِبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والفقه الجعفري، وقد دخلَ هذا القانون حيز التنفيذ في العام 2003.

قبل اتفاق الطائف، لم يكن معترَفاً بهذه الطائفة من الناحية القانونية، لكن بموجبه تم السماح لأبنائها بدخول الجيش اللبناني والمدرسة الحربية والترفّع الى رتب الضباط القائمة على النسب الطائفية والى العمل في الوزارات والمؤسسات والإدارات العامة.

هذا التهميش الذي قد يكون غير متعمَّدٍ لأبناء الطائفة التي يبلغ تعدادها نحو 115 ألف نسمة بحسب إحصاء تقديري، وهو رقم غير دقيق إذ تشير إحصاءات أخرى الى أن عددهم لا يتخطى الـ80 ألفاً، تضربُ جذوره عميقاً في التاريخ القديم والحديث إذ إن العلويين أو "النُصيريين" هم مجموعة دينية عاشت ولا تزال في بلاد الشام حيث نشأت من الإسلام الشيعي، ويتشارك أبناؤها ببعض المعتقدات الشائعة مع الشيعة الإثني عشرية إلا أن طقوسهم وممارساتهم تختلف تماماً عن الشيعة من حيث النظريات الدينية والتفسيرات القرآنية، ولناحية تقديسهم للإمام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين ورفع مرتبته الى "الألوهية".

عدد معتنقي هذا المذهب حول العالم لا يتعدى أربعة ملايين وهم ينتشرون على مساحة تمتد بشكلٍ "هلالي" من شمال شرق ساحل البحر الأبيض المتوسط حتى سهول كيليكا في تركيا، أما أماكن تجمّعهم في لبنان فمحصورة بشكلٍ رئيسي في محلة بعل محسن أو جبل محسن بنسبة 60 في المئة، إضافةً الى تجمّعات متناثرة في عدد من قرى وبلدات سهل عكار مثل المسعودية والسماقية وحكر الظاهري والحوشة وتل حُميْر بنسبة 38 في المئة، كما يُسجل لهم حضور ضعيف جداً في بيروت والكورة والمتن الشمالي ومزارع شبعا.

أتباع المذهب العلوي يعيشون في لبنان كما في خارجه في "شبه عزلة" داخل النطاق الإسلامي منذ ما يزيد عن عشرة قرون، وهم يمارسون "التقيّة" السياسية والاجتماعية عبر التاريخ الضارب في العمق الى العرب الأقحاح في اليمن مقابل الحديث عن أصول تركية من وسط وجنوب شرق الأناضول، ويمكن وصفهم  بفرقة "باطنية" محرِّفة لأصول الدين الإسلامي، أما واجهتهم السياسية في لبنان فهي "الحزب  الديقراطي اللبناني العربي" الذي أسسه علي عيد، والموالي للنظام السوري ولحزب البعث العربي الإشتراكي بقيادة حافظ الأسد ومن بعده بشار، وقد شكّل علويو لبنان على مدى سنوات طويلة أحد الأذرع العسكرية للنظام السوري بزعامة رفعت علي عيد، مسؤول العلاقات السياسية في الحزب، والذي أصدر القضاء العسكري مذكرة توقيف غيابية بحقه بعد تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس في آب 2013، ما أدى الى سقوط 50 قتيلاً ونحو 800 جريح، وقد غادر هذا الأخير لبنان الى سوريا مع غالبية قادة المحاور التي شاركت في جولات القتال الداخلي بين منطقة جبل محسن العلوية ومنطقة باب التبانة السنّية.

تاريخ العلويين بدأ بالخوف من الإبادة عبر التاريخ وانتهى باندماجٍ شكلي مع المجتمع السنّي الحضَري، فهل ستغيّرُ خريطة المنطقة الجديدة وتحوّلاتها المرتقبة نظرتهم الى "نهائية" الإنتماء للبنان الذي أعطاهم ما لم يعطه آخرون؟!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: