مجلس الوزراء أمام الاختبار الأصعب اليوم، وساعات معدودة تفصل عن الكلمة الفصل في مسار الاستحقاق الانتخابي النيابي. فالعيون تتجه إلى قرار الحكومة، وما إذا كانت الاتجاهات التي عبّرت عنها الأكثرية النيابية، بالتوازي مع الأكثرية الشعبية في لبنان ودول الانتشار، ستترجم فعلاً في الجلسة المنتظرة، خصوصاً لجهة حق المغتربين بالاقتراع للنواب الـ128 وتعديل القانون الانتخابي الحالي.
لكن الواضح أن الحكومة وصلت إلى المأزق، بعدما حصرت الخيارات بثلاث صيغ اتفقت عليها اللجنة الوزارية. ووفق الدستور، يحق للحكومة أن تقترح تعديل القانون بما يتيح للمغتربين التصويت في مكان قيدهم، وإلغاء الدائرة 16، على أن يحال الاقتراح إلى المجلس النيابي. وإذا أدرج بصفة المعجّل، يكون على رئيس مجلس النواب نبيه بري وضعه على جدول أول جلسة عامة، وإن لم يُقرّ خلال أربعين يوماً، يمكن عندها لرئيس الجمهورية جوزاف عون إصدار مرسوم بتنفيذه بعد موافقة الحكومة.
لكن بالسياسة، المشهد مختلف، فالتهديد بالانسحاب من الجلسة من جانب وزراء القوات اللبنانية الذين حملوا هذه الراية من البداية، يقابله تلويح وزراء "أمل" و"حزب الله" بإلغاء اقتراع المغتربين بالكامل. وما يجري داخل مجلس الوزراء لا يبدو أكثر من استعراض شعبي لحق المغتربين، في وقت تبدو فيه، حتى هذه اللحظة، التسوية قد أُنجزت مسبقاً، وكل ما يحصل اليوم لا يتعدى إطار المماطلة وتمرير الوقت.
وهنا تبرز التسوية التي يجري التحضير لها فعلياً بين الرئاسات الثلاث. في مقابل كل هذه المماطلة، الإبقاء على اقتراع ستة نواب فقط للمغتربين والسير بالمشروع كما هو، أو منعهم من الاقتراع من حيث يقيمون بشكل كامل.
وفي كلتا الحالتين، لن يبقى أمام بري سوى خيارين، إما الرضوخ للأمر الواقع وإدراج مشروع القانون على جدول أعمال الجلسة العامة، أو إحالته إلى اللجان.
لكن القرار هذه المرة لن يكون مجرد خطوة إجرائية، بل اختبار حقيقي لدور بري كرئيس مجلس النواب، هل سيتصرّف كضامن للعمل الدستوري وممثل لكل اللبنانيين، أم كزعيم سياسي يوازن بين مصالح الثنائي أمل ـ حزب الله؟
فما هو مطروح اليوم يتجاوز ملف اقتراع المغتربين، ليصل إلى جوهر الصراع على السلطة داخل الدولة نفسها، بين من يتمسّك بموقع المؤسسات الدستورية كسلطة مستقلة، وبين من يحاول إخضاعها لمنطق المحاصصة والتفاهمات الحزبية.
وبالتالي، فإن طريقة تعامل بري مع هذا الملف ستشكل سابقة تحدد حدود سلطته ودوره في المرحلة المقبلة، هل سيبقى أسير الحسابات الضيقة والثنائية التي قيّدت الحياة السياسية منذ عقود، لأنه لن يستعيد موقعه كمرجعية وطنية قادرة على إدارة التوازنات من موقع الدولة لا من موقع الطائفة.
الكرة اليوم ستصبح في ملعب عين التينة، والقرار المنتظر من نبيه بري لن يحدّد فقط مصير اقتراع المغتربين، بل أيضاً وجهة العلاقة بين مجلس النواب والرأي العام اللبناني في الداخل والانتشار، الذي يترقّب ما إذا كان صوت الدستور سيتغلّب أخيراً على صوت الاصطفافات.