يمثل التعاون بين مصر ولبنان في ملف الغاز الطبيعي أحد المسارات العربية العملية لمعالجة تحديات الطاقة في المنطقة، في ظل سعي لبنان إلى تعزيز استقرار قطاع الكهرباء، واعتماد مصر على توظيف بنيتها التحتية المتقدمة وخبراتها المؤسسية لدعم مشروعات التكامل الإقليمي في مجال الطاقة. ويأتي هذا التعاون في سياق إقليمي حساس، تتداخل فيه الاعتبارات الفنية بالسياسية والقانونية، ما يمنحه أبعادًا تتجاوز كونه مشروعًا طاقيًا تقنيًا بحتًا. خاصة وأنه يضع لبنان على خطوة من مسار طويل من الإصلاحات التي يجب أن يقوم بها، وفي المسار الاقتصادي الذي يطال المنطقة بأسرها.
أولًا: واقع قطاع الطاقة في لبنان والحاجة إلى حلول انتقالية
وفي حديث مع المهندس محمد عطية، الباحث والمتخصص المصري في شؤون الطاقة لموقع LebTalks، قال: "بينما يواجه قطاع الكهرباء في لبنان تحديات هيكلية ممتدة، تنعكس على انتظام التغذية الكهربائية وكلفة الإنتاج، تشير التقديرات إلى أن تشغيل المعامل بالغاز الطبيعي بديلًا عن الوقود السائل يمكن أن يخفض كلفة التوليد بنسب تتراوح بين 30 و40%".
ومن هنا، يبرز التوجه نحو خطة شاملة تتجاوز مجرد الاستيراد لتشمل توسيع دير عمار عبر الدور القطري في إعادة تأهيل المعمل وإنشاء معمل جديد بقدرة 800 ميغاواط، بالتوازي مع إنشاء محطة إعادة تغويز FSRU، واستجرار الكهرباء من الأردن، وصولاً إلى استحداث مزارع توليد طاقة شمسية في كافة المناطق اللبنانية كحل مستدام، ويكاد يكون أبرزها حالياً سعي التقدمي الاشتراكي لاستحداث شبكة طاقة شمسية في مكان مطمر الناعمة مما يزيد التغطية الكهربائية لأهالي المنطقة والجوار.
ثانيًا: مصر ودورها الإقليمي القائم على البنية التحتية والوساطة
تلعب مصر دورًا محوريًا في سوق الغاز بشرق المتوسط، انطلاقًا من امتلاكها واحدة من أكثر البنى التحتية تكاملًا في المنطقة، وهو ما يؤهلها للقيام بدور مركز إقليمي لتداول الغاز. إذ يعتبر عطية أنه "في إطار التعاون مع لبنان، لا تقوم المقاربة المصرية على تصدير غاز بعينه، وإنما على تسهيل وصول الغاز المستورد من الأسواق العالمية، عبر استقباله بواسطة سفن التغييز العائمة، ثم إدخاله إلى الشبكة الإقليمية وضخه عبر خطوط الأنابيب القائمة". هذا النموذج يكرّس الدور المصري كمنصة فنية ولوجستية ووسيط إقليمي يربط بين الموردين الدوليين والدول التي تعاني فجوات طاقية.
خاصة وأن مصر تمتلك بنية تحتية مؤلفة من شبكة واسعة من خطوط نقل الغاز البرية والإقليمية، ومنشآت معالجة وضغط متقدمة، ومحطات إسالة وتسييل قائمة على البحر المتوسط، إلى جانب قدرات تشغيلية وتنظيمية اكتسبتها مصر من إدارة ملفات غاز إقليمية متعددة، إذ أنه مع تصدير مصر لـ12.7 مليون طن سنوياً عبر محطتي إدكو ودمياط، يجعلها هذا مركزاً إقليمياً مهمًّا ولاعباً رئيسياً في سوق الغاز الطبيعي لمعالجة وتداول الغاز وتصديره في الأسواق الأوروبية والآسيوية.
ثالثًا: مسار التعاون المصري – اللبناني وآلية النقل
أما المسار العملي لتوريد الغاز فيعتمد على خط الغاز العربي الذي يتصل بمعمل دير عمار. ويشير عطية إلى أن الخط العربي يقدر أن يؤمن نحو 2 إلى 3 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وهي كمية ضخمة تفوق قدرة لبنان الاستيعابية الحالية، مما يفسر الأهمية الاستراتيجية لتوسعة معمل دير عمار وإنشاء المعمل الجديد بقدرة 800 ميغاواط لاستيعاب هذا التدفق.
هذا التعاون يساهم في تخفيف كلفة الطاقة على الاقتصاد اللبناني وتعزيز ثقة المؤسسات الدولية في مسار إصلاح القطاع، كما يرسخ نموذجًا عربيًا قائمًا على تقاسم البنية التحتية.
رابعاً: التحديات الرئيسية وشروط نجاح الملف
بناءً على التجربة السابقة لعمل خط الغاز بين العامين 2009 و2011، يرى الخبراء أن المسألة تتطلب معالجة ملفات قانونية وتقنية دقيقة، تبدأ بإعادة تأهيل خط الأنابيب وتوقيع عقد واضح الشروط مع مصر.
والأهم من ذلك هو التوصل إلى اتفاقية رباعية تضم لبنان ومصر والأردن وسوريا، تهدف إلى تحديد شروط وآلية عمل الخط والتزامات الجانب السوري فيما يخص تأمين الحماية الأمنية للخط وضمان حسن التنفيذ، مع تشكيل لجنة رباعية للتنسيق الدائم. ويظل تأمين التمويل المنتظم عبر البنك الدولي التحدي الأبرز لضمان استدامة التوريد، خاصة وأن هذه الاتفاقية تمثل إدارة بعيدة المدى للموارد وليست مجرد إمداد فوري بسيط.
خامساً: آفاق التعاون ودور مصر المستقبلي
يمثل التعاون المصري – اللبناني في ملف الغاز نموذجًا لتوظيف البنية التحتية العربية في خدمة الاستقرار الإقليمي. فبالنسبة للبنان، يوفر هذا التعاون مع توسعة المعامل واستجرار الطاقة من الأردن حلًا انتقاليًا جديًا، وبالنسبة لمصر، يعزز دورها كوسيط موثوق فيه ومنصة إقليمية للطاقة. ومع توافر التمويل والغطاء القانوني والتنسيق الرباعي المحكم، يمكن لهذا المسار أن يتحول إلى تجربة قابلة للتكرار، تؤكد أن التكامل العربي في قطاع الطاقة هو إمكانية عملية قائمة على المصالح المشتركة والبنية التحتية الجاهزة