لم يحصل عبر التاريخ أن تصادمَ الفرس مع اليهود، كما لم يحصل عبر التاريخ أن أياً من الفرس أو اليهود هاجموا بعضهم فالصفوية والصهيونية هما وجهان لعملة واحدة...
منافسة بين إسرائيل وإيران على تقاسم كعكة الإقليم
مَن يطّلع على أحوال اليهود في الجمهورية الإسلامية في إيران يرى أنهم يعيشون في رَغدٍ وأمنٍ وحرية ممارسة شعائرهم الدينية بأمان واستقرار، ويتنقلون بحريةٍ داخل إيران وبين إسرائيل وإيران باستمرار.
ومَن يعود للتاريخ، يجدُ أن من حمى اليهود في مواجهة الحملات ضدهم كان الفرس.
حالياً في المنطقة، هناك تنافسٌ بين إسرائيل وإيران على تقاسم "كعكة الإقليم" بينهما وقاسمهما المشترك أنهما صنيعة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والأوروبيين، فإسرائيل لطالما كانت إنتاج المشروع السياسي الغربي في المنطقة، لكن ثمة قسم كبير من اليهود يرفضون هذا المشروع الصهيوني الغربي في إسرائيل، ويؤمنون بالسلام والعيش المشترك مع شعوب وديانات المنطقة من إسلام ومسيحيين ودروز وسواهم، وبالتالي إذا عدنا للتاريخ نجدُ أن لا عداء بين اليهود والمسلمين، كما لا عداء بين اليهود والصفويين في إيران ... ونذكر بأن رسول المسلمين النبي محمد عندما هاجر من مكة المكرّمة الى المدينة جاء الى عند اليهود المتمكّنين والمتملّكين، وقد استقبلوه ولم يحاربوه، ولو أنهم لم يكونوا ليرحبوا به إلا أنهم لم يقاتلوه كما قاتله أبناء جلدته.
الاعتراف بالكيان الفلسطيني
العودة الى التاريخ في الكثير من المحطات أمرٌ مفيدٌ لنحاول استشراف المستقبل والواقع الحالي الجيو سياسي في المنطقة، وفي هذا السياق
دعونا نتفق أولاُ على أن المشروع الصهيوني من الفرات الى النيل فشل بفضل حركات المقاومة الفلسطينية التي أغرقت المشروع بالدماء والصعوبات السياسية والعسكرية والميدانية وجعلته ينكفىء الى عمقه داخل إسرائيل.
كما يجب أن نذكر بأن المشروع الفلسطيني نجحَ ولو جزئياً في إرساء شيء مما فقده العام 1947 ألا وهو الإقرار الدولي في اتفاقيات "أوسلو" بسلطةٍ فلسطينيةٍ أولاً، وبناء مؤسسات فلسطينية تكون نواة مؤسسات دولةٍ مستقلةٍ، وجواز سفر فلسطيني معترَف به دولياً، فضلاً عن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من خلال مقعد فلسطين ... مع اعترافٍ أميركيٍ أولاً ودولي ثانياً باحتلال أرض ولو اختلفت النسب والرؤيا وحدود المصالح ... ونذكر بأن مجلس الأمن أصدرَ شهادة ولادة دولة فلسطينية عام 1947 على 49% من الأراضي التاريخية لفلسطين، وبالتالي ورّداً على المشكّكين والغوغائيين فأنن القانون الدولي اعترف مع العالم بكيان فلسطيني.
عندما "بهتت" القضية الفلسطينية
نقولُ كل هذا لنشير الى أمرين في غاية الأهمية:
الأمر الأول هو أن دولة فسلطينية ليست وهماً ولا حلماً بل حقيقةً يجب العمل على تحقيقها، ما يتطلّب قبل أي شيء قناعةً لدى الشعب الفلسطيني نفسه أن بإمكانه التوحّد في دولة ... فالتجربة بين السلطة الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد عام 2015 في قطاع غزّة وما بعدها لم تكن مشجِعة على مساعدة الفلسطينيين في إنشاء دولتهم.
الأمر الثاني هو أن القضية الفلسطينية لطالما كانت قضية أرض وشعب وليست قضية ورقة تفاوض أو تبادل أو صفقة بين دول إقليمية أو عالمية تعلنُ عكس ما تُضمِر للفلسطينيين، وبالتالي بهتت القضية وتلاشت عندما تحوّلت الى ورقة مزايدة ومقايضة وصفقات بيد دول غريبة عن جوهر القضية وعدالتها.
على الجانب الآخر، يجب أن لا ننسى بأن إيران لطالما كانت العدو التاريخي للعرب في هذه المنطقة، خصوصاً وأن الصفويين في إيران لجأوا تاريخياً الى التشيّع لمحاربة الإسلام من داخل نسيج المجتمعات العربية والإسلامية،
ولا نغالي إن قلنا أن المشروع الفارسي- الصفوي- الإيراني أخطر على العرب من المشروع اليهودي- الصهيوني، وبالتالي فإن إيران بمشروعها هذا تشكّل خطراً أكبر على العالم العربي من أي أعداء آخرين.
الصفويون الذين شيّعوا إيران بالقوة والدم والنار قبل 500 عام، وجدوا مَن يمدّهم من الحملات الصليبية بالدعم والتشجيع في مواجهة الدولة العثمانية، حتى أن الإيرانيين استعانوا بالبرتغاليين لمهاجمة مكّة المكرّمة.
هذا المشروع الفارسي مستمرٌ الى يومنا هذا، لكن بمراحل وصيغٍ مختلفة وفي ظل صراع إقليمي كبير بين العروبة والصفوية، وبين الإسلام السنّي والإسلام الشيعي، وهذا ما يفسّر في جزءٍ منه انكفاء دول عربية كبيرة عن مؤازرة منظمات فلسطينية في قطاعي غزّة والضفة أدّت ولاءها للصفوية والفارسية والإيرانية على حساب العروبة والإسلام والالتزام العربي بالقضية الفلسطينية.
مَن سلّط إسرائيل على العرب والمنطقة؟
من الناحية السياسية والجيو سياسية، يُلاحظ اليوم أن مربطَ كلٍ من إسرائيل وايران مصدر واحد : الولايات المتحدة الأميركية ... ونأسف للقول وهو أمر لطالما يتحاشى أصحاب الأقلام الإتيان على ذكره لاعتباراتٍ نفهمها،إلا أننا نعتبر أن الصديق للغرب يجب أن يُصدِقه القول وأن لا يتنمّقه ويخفي عليه تحفظاته وملاحظاته... فقول الحقيقة واجب...
والحقيقة هي أن الغرب هو الذي سلّط إسرائيل ومن ثم إيران على العرب والمنطقة، لماذا ؟ بكل بساطة لإبقاء هذه المنطقة من العالم ضعيفة، وأرض قلاقل وحروب ومشكلات تأخر نموها وتقدّمها وتجهلها على الدوام، هي وثرواتها، فريسة الحاجة الى الحماية من الدول الكبرى مع ما يعنيه ذلك من التحوّل الى ابتزاز دول المنطقة وبخاصة دول الخليج والدول العربية الأساسية في المنطقة.
في مرحلةٍ أولى ومن ضمن هذا المخطط، سلّط الغرب على المنطقة إسرائيل لكن الأخيرة لم تنجح بأن تصبح حقيقة معترفاً بها في هذا المحيط العربي الإقليمي، فعاد الغرب نفسه وسلّط إيران أو الجمهورية الإسلامية في إيران بزرع نظام ديني متطرّف صفوي ثوري مهمته عبر عقيدة تصدير الثورة التي تعني غزو المجتمعات العربية وضربها من الداخل عبر التشيّع.
كلُ ما عدا ذلك تفاصيل، كمثل عندما تتكلم عن دعم ونصرة القضية الفلسطينية فإذا بنا نجد أن الدعم عسكري فقط، فلا مستشفيات بُينت للفلسطينيين بالمال الإيراني، ولا مدارس ولا مراكز رياضية للفلسطينيين بل فقط سلاح : أي إداة تدمير وقتل، انطلاقاّ من العقيدة الإيرانية القائلة باستمرار التوتّر والحروب في المنطقة والتوتر بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإبقاء العرب مقسّمين ومتفرّقين ودولهم محتلة ومسيطَر عليها من وكلاء إيران المنفذين.
النظام الإيراني الذي شجّع حماس والجهاد على 7 تشرين الأول هو نفسه النظام الذي نكر في اليوم التالي أي تورط له بالعملية... والنظام الإيراني نفسه الذي أرعدَ وأزبد بعد قتل الأميركيين لقاسم سليماني بالثأر والانتقام، هو نفسه الذي بات يبلغ الأميركيين بتحرّكاته العسكرية وخططه الهجومية وآخر تجليات هذا النهج في العملية المسرحية في نيسان الماضي...
لذلك كله نقول: إن إيران لن تدخل في حرب مع إسرائيل... والنظام الإيراني لا يزال حاجة أميركية غربية كما سبق وقلناه في عدة مقالات سابقة، وبالتالي لو أراد الغرب الإطاحة بالنظام الإيراني لأطاح به خلال الانتفاضات الشعبية في ايران والتي بلغ عددها 5 واذا بالغرب لا يدعم الشعب لانه يريد الحفاظ على النظام لمهمات أخرى مستقبلية...
أما مسائل العقوبات والصفقات والحصار على إيران من الأميركيين والغرب،كلها مسرحيات فتعالوا وأنظروا الى 200 شركة إيرانية إسرائيلية عاملة وعندها نتكلم عن حرب إيرانية إسرائيلية... وتعالوا وانظروا كيف أن كل وسائل الاعلام الإيرانية على اختلافها اوها من الجمهورية الإسلامية في إيران التي تبثٌّ برامجها عبر أقمار اصطناعية مملوكة أو تّدار من إسرائيل...
وللحديث تتمة...