مع مطلع كل عام جديد، تغزو الشاشات ووسائل التواصل موجة من التوقّعات الفلكية وقراءات الأبراج، ويَعِدنا بعض المنجّمين بالنجاحات والفرص، فيما يحذّر آخرون من الأزمات والكوارث، فنجد أنفسنا بين الخوف والأمل، وبين التصديق والإنكار. لكن خلف هذه الظاهرة تتوارى أسئلة أعمق:
هل للأبراج والتوقّعات أساسٌ علمي فعلًا؟ لماذا يواصل الجمهور متابعتها رغم أنّه لا يؤمن بها؟ وماذا تقول الكنيسة عن التوقعات ومحاولات معرفة المستقبل؟
رغم الشكّ.. ما سرّ متابعة التوقّعات؟
أوضحت الاختصاصية النفسية إليسا رشدان لموقع "LebTalks" أنّ الإنسان، حين يواجه ما هو جديد ومجهول، يشعر تلقائيًا بنوع من القلق. وذكرت أنّ التوقّعات تمنح البعض إحساسًا بالطمأنينة، لأنها تُشعرهم بأن لديهم أدوات إضافية لمواجهة الحياة. وأضافت رشدان أنّه حتى لو لم يصدّق الجمهور هذه التوقعات تمامًا، فإنّها توفّر له مواضيع للحديث والمشاركة مع الآخرين، مشيرة إلى أنّ هذا التفاعل يعزز الروابط الاجتماعية ويقوّي شعور الانتماء ضمن المجموعة.
إحذروا المبالغة!
في السياق، اعتبرت المعالجة النفسية والاستاذة الجامعية ديالا عيتاني أنّه الى جانب من يتابعون الأبراج والتوقعات بهدف الفضول الطبيعي أو التسلية، هناك من يتعامل معها بشكل مبالغ فيه. وأضافت أنّ التفكير الزائد بها وكتابتها ومقارنتها مع أبسط التفاصيل اليومية، والاقتناع بأنّ الإنسان غير مخيّر في هذه الحياة، إنّما الفلك هو من يحدّد مصيره، قد يحوّل الأمر حينها الى هوسٍ مرضي أو إلى نوع من الوسواس القهري.
ووفقًا للعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، فالأبراج تمثّل هوسًا لدى الأشخاص وأخطاء في التفكير. ولا توجد أي أدلة نفسية على صحتها وفقًا لأبحاث علم النفس. فهي في الأساس تعتمد على مبدأ "ما تفكّر به، تجذبه". وكلما آمن الشخص بها أكثر، شعر بها أكثر وتصرّف بناءً عليها.
ما موقف الكنيسة من التوقّعات؟
كما اعتبر الأب ألان نصر، في حديث لموقع "LebTalks"، أنّ الكنيسة تضع ثقتها بالمسيح، فبمجرد هذه الثقة، نعلم أنّ المستقبل يحمل الخير. لذلك، لا ضرورة لحمل الهموم والمخاوف، طالما أنّ الثقة بالله كفيلة بأن يقودنا إلى ما هو أفضل لنا.
وأشار الأب نصر إلى أنّ التنجيم والتوقعات والأبراج تُعدّ من الأمور التي تضرب ثقة المسيحي بربّه، فالاعتماد عليها والسعي وراءها دليل على عدم اكتمال الإيمان وضعف الثقة بالعناية الإلهية.
وقال إنّه، بالنسبة للتوقعات، هناك بعض الأشخاص الذين يتابعون الأحداث ويدرسون ملفات ويعتمدون على قراءة الأوضاع، ثم يقومون بإبداء نظرية عما سيحدث، هؤلاء، كما قال، يمكن وصفهم بالمحلّلين الذين يبنون استنتاجاتهم على أحداث منطقية.
ختاماً، التوقعات وسيلة يستخدمها الإنسان للتعامل مع الفضول حول المستقبل ولخلق مساحة للحوار والمشاركة مع الآخرين، لكنها تبقى ثانوية مقارنة بالعقل والإيمان في فهم الواقع.