الحرب على الأبواب!

harb

بعد الضربة النووية التكتيكية الاسرائيلية لميناء الحديدة الأخيرة والتي أطاحت بقدرات الحوثي وأجبرته على الاستسلام تماماً كما اجبرت القنبلة النووية على هيروشيما وناكازاكي اليابان على الاستسلام، بات السؤال يطرح حول مصير سلاح حزب الله وموقف القيادة الايرانية منه.

الرئيس الاميركي دونالد ترامب بإعلانه الاستسلام الحوثي وتراجهعم عن استهداف السفن والأساطيل التجارية وغير التجارية في باب المندب والبحر الأحمر، أسدل الستارة على ذراع ايراني مهم وخطير هو في الواقع ما قبل الذراع الاخيرة إلا وهو حزب الله في لبنان بعد سقوط نظام بشار الاسد في سوريا وانهيار حماس في غزة وتراجع الحشد الشعبي عن المقاومة المسلحة بناء لأمر من المرجع الشيعي علي السيستاني بحيث لم يبق على ساحة “ام الساحات” إلا سلاح حزب الله الايراني في لبنان.

وعلى الرغم من اعتماد الحزب على “تكتيكاته” اللبنانية الداخلية التي كان يبرع بها سابقاً كمثل استثماره في عامل الوقت تارة بادعاء الحوار والدعوة اليه وتارة باللعب على وتر استراتيجية دفاعية مزعومة تماطل في حسم موضوع السلاح وتراوغ كسباً للوقت ومحاولة فصل نفسه عن انقلابات المشهد الاقليمي وتغير المعادلات والتوازنات، إلا أن الحزب حالياً يقف امام ساعة الحقيقة: حقيقة انتهاء دور السلاح ووجوب تسليمه للدولة شمال وجنوب الليطاني.

طبعاً ليس المقصود بالسلاح السلاح الخفيف والمتوسط بل السلاح مما فوق المتوسط كالصواريخ الباليستية التي تعرفها واشنطن بالتفصيل مروراً بمخازن السلاح التكتيكي وصولاً إلى مصانع الأسلحة التكتيكية والبالستية.

وهذه الأسلحة تم إبلاغ رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الوزراء نواف سلام بها من الجانب الاميركي واعطيت الدولة اللبنانية مهلة حتى حزيران المقبل لاستلامها من الحزب.

فاستسلام الحوثي مؤشر مهم جداً إلى المرحلة المقبلة المتمثلة بتوجه الأنظار إلى حزب الله الإيراني في لبنان ونقول حرب الله الإيراني لسببين:

الاول انه لو كان الحزب لبناني وتعرض لما تعرض له من خسائر فادحة في الحرب الأخيرة والى يومنا هذا لكان اعلن توقف العمل العسكري وتسليم السلاح للدولة والانخراط في مشروع نهضة الدولة والوقوف خلفها في مقاومة إسرائيل اسوة بسائر اللبنانيين.

والسبب الثاني ان الحزب لا يزال ينتظر ويراهن على اشارة إيرانية لاستمرار سلاحه لا من اكل مصلحة لبنان الدولة والشعب بل لصالح اجندة ولاية الفقيه في مفاوضات ايران النووية مع الاميركيين.

مع انفراط عقد وكلاء ايران الاقليميين تباعاً وصل “الموس الى ذقن الحزب” الذي لا يزال يتخبط داخلياً وعلى المستوى السياسي بين تيار يريد استمرار ما يعتبرها مقاومة وتيار واقعي اخذ العبر من هزيمته في الحرب ويريد الالتحاق بالنهج الديبلوماسي والسياسي للدولة لتحرير الجنوب من الاحتلال.

ايران حاولت في الفترة الأخيرة خلق نتوءات في جدار الواقع الاقليمي المأزوم لها من خلال الإسهام في توتير الاجواء في سوريا سواء في الساحل السوري او في الداخل السوري لكنها فشلت.

وبالتالي وصلنا إلى آخر العنقود الايراني الصلب إلا وهو حزب الله وسلاحه تحديداً بحيث بات الحزب ورقة ايران الأخيرة في المنطقة.

إسرائيل من جهتها وفي ظل الانقسام في الرأي والتوجه بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حيال ملف التفاوض مع ايران تتجه اكثر فأكثر إلى استخدام الورقة الأخيرة المتمثلة بضرب حرب الله واستكمال القضاء على سلاحه بهدف من جهة اثبات الاميركي ان لإسرائيل حرية التحرك في الزمان والمكان للدفاع عن امنها بمعزل عن سير المفاوضات الاميركية الإيرانية، ومن جهة ثانية لمحاولة خربطة المفاوضات “وفركشت” الاميركي المندفع إلى التوصل لاتفاق مع الايرانيين يضمن لواشنطن مصالح أميركية واستثمارات إيرانية ضخمة في الداخل الإيراني وفق منطق رجل الأعمال ترامب.

وبالتالي وانطلاقاً من هذه المعادلة وفي ظل عدم إقلاع الحوار اللبناني الرسمي الداخلي بين العهد والحزب الذي عاد ووضع شروطاً مؤخراً لتسليم سلاحه أهمها انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس واسترداد الاسرى يحاول مرة جديدة اللعب على الوقت بانتظار ما آلت المفاوضات الاميركية الإيرانية حيث ان طهران لم تعط حتى الان اشارات تسهيل تسليم السلاح.

إسرائيل لم تقم في لبنان بما قامت به من حرب تدميرية للحزب وعليه ومن احتلال وجرف للقرى والبلدات الجنوبية ونسفها عن الوجود لتعود وتسلمها بسهولة لاعادة إعمارها.

امامنا ٣ احتمالات:

  • إقدام الحزب على تسليم سلاحه طوعاً وقبل حزيران المقبل على أبعد تقدير.
  • ⁠رفض الحزب تسليم سلاحه وبالتالي عجز الدولة عن حصره بالقوة ما يفتح الباب امام إسرائيل للتصرف وبالتالي حرب جديدة اكثر تدميراً.
  • ⁠اتفاق ايران والولايات الاميركية على تسليم الحزب للسلاح وعندها سيسلم الحزب سلاحه بكل “طيبة خاطر”.

الأرجح أن الحزب لن يسلم سلاحه طوعاً ولن يستطيع الجيش اللبناني تسلمه بالقوة للأسباب المعروفة داخلياً ما يبقي الخيار الثالث المتمثل بتدخل إسرائيل عسكرياً مجدداً لتولي مهمة نزع السلاح بالقوة وتدمير الحزب كلياً عسكرياً وهيكلياً.

من هنا لا بد من النظر إلى ما يمكن ان يكون عليه الموقف الإيراني الذي تربطه بالحزب علاقة مميزة ومتميزة عن سواها من علاقات بين طهران ووكلائها الاقليميين الذين تساقطوا الواحد تلو الاخر من سوريا إلى غزة إلى اليمن إلى العراق.

في هذا الاطار لا بد من ان نتذكر ان علاقة القيادة الإيرانية بحزبه في لبنان عميقة تمتد من العقائدي إلى الديني إلى الهيكلي إلى الأيديولوجي إلى السياسي إلى العسكري.

وهنا دعونا نشير إلى انقسام عامودي حاد داخل ايران بين الخط الاصلاحي المعتدل الذي يشكل الدولة العميقة والخط المتشدد ويمثله كما بات معلوماً المرشد الأعلى والحرس الثوري ومصلحة تشخيص النظام ومجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء وهذا الانقسام يزداد رسوخاً يوماً بعد يوم.

فالدولة الإيرانية العميقة ضد الحزب ولو عاد الأمر لها لأنهت وجوده فلا تستطيع الدولة العميقة في ايران تحمل فكرة وجود مثل هذا الحزب ليمثل السياسة الإيرانية، تمويل الحزب يتم من جانب مؤسسات المرشد لا الدولة الإيرانية وتلك المؤسسات التي تجبي الخمس والذكاة وعائدات مشهد ومقام علي الرضى وتبلغ تلك العائدات عشرات المليارات من الدولارات سنوياً توزع لأذرع إيران وأولها حزب الله في لبنان.

اما خصوصية العلاقة الأيديولوجية والعقائدية بين ولاية الفقيه وحزب الله فمردها إلى ان الحزب يؤمن بولاية الفقيه ونهج النظام الإيراني الديني والعقائدي وهو جزء منه بينما الحوثيين هم زيديين وليسوا جعفريين يؤمنون بزيد أحد اولاد علي بن أبي طالب وهم بنظر الايراني كفار دينياً فضلاً عن ان حماس سنة وبالتالي أيضاً كفار بالنسبة لولاية الفقيه، اما الحشد الشعبي في العراق فهو شيعي اثني عشري لكن لا يؤمن بولاية الفقيه وهو تابع للمرجع السيستاني.

وبالتالي العلاقة الخاصة المتميزة والمميزة بين ولاية الفقيه وحزب الله علاقة المرجع بجاليته المؤمنة الناطقة باللغة العربية ومن هنا يمكن ان نفهم اغتيال الامين العام السابق حسن نصرالله احدى اوجه الصراع بين الدولة الإيرانية العميقة ونظام ولاية الفقيه حيث الجواسيس ينتمون من داخل بيئة الحزب الإيراني إلى تلك الدولة لضرب والقضاء على رجال وقادة لا بل ابناء ولاية الفقيه في لبنان.

وبالتالي العلاقة الخاصة المتميزة والمميزة بين ولاية الفقيه وحزب الله علاقة المرجع بجاليته المؤمنة الناطقة باللغة العربية ومن هنا يمكن ان نفهم اغتيال الامين العام السابق حسن نصرالله احدى اوجه الصراع بين الدولة الإيرانية العميقة ونظام ولاية الفقيه حيث الجواسيس ينتمون من داخل بيئة الحزب الإيراني إلى تلك الدولة لضرب والقضاء على رجال وقادة لا بل ابناء ولاية الفقيه في لبنان.

من هنا لا نرى في الأفق إلا ضربة اسرائيلية ان لم تقم طهران بتفكيك الحزب وسلاحه وهذا امر يبدو بعيد المنال لأسباب ليست سياسية بل عقائدية دينية وان لم تتمكن الدولة اللبنانية من حصر السلاح وتفكيك كامل منظومة الحزب العسكرية في ظل مصلحة اسرائيلية في خربطة التفاوض الإيراني الاميركي باعتبار الامن القومي الاسرائيلي فوق اي حسابات، فهل تكون الحرب على الابواب في لبنان؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: