رغم ارتفاع نبرة التهديدات الإسرائيلية وكثافة الغارات والاستنفارات الحدودية، يبدو ألا ضربة إسرائيلية وشيكة، ما يحصل في الجنوب ليس تمهيداً لحرب شاملة بقدر ما هو استعراض قوة ومناورات إسرائيلية أحادية الجانب، تهدف إلى الضغط السياسي والعسكري في آن واحد، واختبار مدى جهوزية حزب الله وردّ فعله، من دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
إسرائيل تدير هذا التصعيد وفق منطق "التحكم بالإيقاع"، تصعّد متى تشاء، وتخفض منسوب التوتر عندما تقتضي مصالحها الداخلية أو الإقليمية. وهي تستخدم الخطاب الأمني حول نزع سلاح حزب الله لتبرير عملياتها الجوية والاستطلاعية، محاولة فرض معادلة جديدة على الأرض تبقي لبنان في حال توتر دائم، من دون بلوغ عتبة الحرب.
في المقابل، الداخل اللبناني يبدو عاجزاً عن المبادرة، مؤسسات الدولة ممسوكة سياسياً وإدارياً من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يمسك بمفاصل القرار منذ سنوات طويلة، ويمارس دوره كـ"أخ أكبر" لحزب الله، لا كرئيس مجلسٍ يُفترض أن يصون حق اللبنانيين جميعاً وكرامتهم. من هنا، فقد بري شرعيته السياسية لا بسبب تبدّلٍ في سلوكه، بل لأن هذا السلوك بات اليوم أكثر وضوحاً وتعرّياً أمام الرأي العام.
أما على المستوى الميداني، فيبقى القرار الأمني والعسكري بيد حزب الله، ما يجعل من الثنائي أمل – حزب الله الدولة العميقة الحقيقية في لبنان، القادرة على ضبط الإيقاع الداخلي، لكنها في الوقت نفسه تمسك بالبلاد في دائرة الجمود السياسي والاقتصادي.
هذا التوازن غير المعلن يرجئ الانفجار لكنه أيضاً يجمّد أي محاولة للإصلاح أو التغيير، لا أحد في الداخل أو الخارج يبدو مستعداً لهزّ هذا الواقع، لأن أي زعزعة جدية قد تعني انهيار الهيكل بأكمله. لذلك، لا حرب شاملة في المدى المنظور، ولا سلام فعلي في الأفق، بل اتفاقية "هدنة" طويلة الأمد، تصعيد مضبوط بإيقاع إسرائيلي، وغموض دولي يكتنف المشهد اللبناني، حيث الكل يراقب، والكل ينتظر، فيما لبنان يعيش بين مناورة وضربة.. لم تأتِ بعد.