فتح ملف السجناء السوريين في لبنان على مصراعيه بعد سقوط نظام آل الاسد، وتسلّم احمد الشرع الرئاسة الانتقالية في سوريا، فبدأت الزيارات الرسمية المتبادلة، وبرز الملف في طليعة القضايا الشائكة مع إصرار الشرع على إطلاق سراح معتقلين بسبب تأييدهم للثورة السورية، فيما إعتقل البعض بتهمة الارهاب او قتل عناصر من الجيش اللبناني، وهذا الملف يُعتبر الاهم والاصعب، اذ بُحث من كل النواحي خلال زيارة وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني الى بيروت قبل فترة وجيزة مع وزير الخارجية اللبناني جو رجّي، ومن ثم خلال زيارة وزير العدل السوري مظهر الويس الى بيروت على رأس وفد قضائي، لإستكمال البحث وتوقيع اتفاقيات لاحقاً، فضلاً عن زيارة وفد سوري امني رفيع المستوى الشهر الماضي، التقى كبار مسؤولي الاجهزة الامنية اللبنانية، والنتيجة محادثات متقدمة وفق آخر المعطيات، بعد تبادل معلومات بين الأجهزة القضائية في لبنان وسوريا بشأن المطلوبين والهاربين من العدالة، لكن عامل الوقت سيلعب الدور الاكبر نظراً الى ما تحويه هذه القضية من تعقيدات.
دخول الكونغرس على الخط
اما اللافت في المشهد كان دخول الكونغرس الاميركي على الخط، بعد الرسالة التي اطلقها السيناتور الأميركي جو ويلسون عبر حسابه على منصّة "اكس"، إثر تواصله مع سوريين اوقفوا في سجن رومية من قبل حزب الله، لمجرّد معارضتهم لنظام الأسد الوحشي، فدعا السيناتور حكومتي لبنان وسوريا للإسراع في وضع آلية لإعادة السجناء السوريين الى بلادهم، كما دعا لبنان الى الوفاء بوعوده للرئيس ترامب ونزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام.
على الخط اللبناني يرفض معظم المسؤولين إطلاق سراح المتشددّين الارهابيين، الذين إرتكبوا جرائم كبيرة من ضمنها قتل عسكريين لبنانيين، والانتماء الى تنظيمات متطرّفة أُحيلوا الى المحكمة العسكرية، من بينهم متهمون بشنّ هجمات ضد الجيش اللبناني في المناطق الحدودية مع سوريا، مما يعني إستحالة الموافقة خصوصاً من قبل رؤساء الاجهزة الامنية.
سوريون ارهابيون في سجن رومية
الى ذلك تأوي السجون اللبنانية عدداً كبيراً من الموقوفين السوريين، الذي وصل الى 2575 موقوفاً، من بين هؤلاء 170 سجيناً بتهمة الإرهاب، كما صدرت أحكام نهائية بحق 350 سجيناً، بينما لا يزال الآخرون قيد التوقيف والمحاكمة. وأفيد في هذا الاطار بأنّ سجن رومية يضم العدد الاكبر منهم، ويتوزّع الباقون على السجون الرئيسية والمخافر في المدن والقرى اللبنانية، ويساهمون في إكتظاظ السجون وحصول المشاكل اليومية مع السجناء اللبنانيين وغيرهم، إضافة الى اعمال الشغب اليومية والتهديد بإحراق السجن كما حصل منذ ايام بهدف تأمين مطالبهم.
هذا ويشكّل الموقوفون السوريون ما نسبته 31 في المئة من عدد السجناء في لبنان بشكل عام، بحسب إحصاء لجنة السجون في نقابة المحامين، التي أشارت لموقع LebTalks الى انّ إجمالي عدد السجناء 8400 سجين، اما نسبة الموقوفين غير المحكومين فهي 83 في المئة، ونسبة الأجانب 48 في المئة، فيما تكمن المشكلة الأساسية في الاكتظاظ بالسجون بسبب بطء العمل القضائي وعدم تطبيق أصول المحاكمات الجزائية.
ولفتت الى انّ القانون اللبناني يُطبّق على كل سجين موجود في لبنان مهما كانت جنسيته، ولا يمكن إخلاء سبيله من دون المحاكمة النهائية، مما يعني انّ حل هذا الملف يعتمد على الاطر القانونية والاتفاقيات والتعاون الرسمي بين لبنان وسوريا.
هل من عفو عام؟
وفي هذا الاطار أوضح مصدر قانوني لموقعنا بأنّ عملية تسليم السجناء السوريين قابلة للتنفيذ، باستثناء الموقوفين بتهمة الإرهاب ولم تصدر في حقهم أحكام، أما الذين صدرت في حقهم أحكام فيمكن نقلهم في حال تبقى من فترة الحكم ستة أشهر.
وعن إمكانية إصدار عفو عام، قال: "في حال صدوره سوف يستثني المتهمين بالإرهاب وقتلة ضباط وعناصر في الجيش اللبناني، اما مَن سُجن بسبب دعمه للثورة السورية، فقد آن الأوان للإفراج عنه من خلال تعديل اتفاقية تبادل السجناء أو إصدار قانون جديد، او الاتفاق على آلية قضائية لتسليمه، مع بحث إمكانية تسريع محاكمات آخرين تمهيداً لإطلاق سراحهم.
ماذا عن مصير المعتقلين اللبنانيين في سوريا؟
وسط هذا الاهتمام اللافت بالسجناء السوريين، لا بدّ من تذكير مَن يتغاضى ويتناسى إن في الداخل او الخارج المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية منذ عقود من الزمن، اذ لا يزال مصيرهم مجهولاً، 620 معتقلاً سُئل عنهم الشرع فأجاب: "لا يوجد أي معتقل لبناني في السجون السورية التي دخلناها".
فأين إصرار الدولة اللبنانية على البحث عن رفاتهم؟ فهؤلاء سُجنوا لانهم دافعوا عن لبنان فدفعوا حياتهم ثمناً لهذا الولاء المشرّف، ألا يستحقون ولو لفتة من دولتهم؟!