يتطلع لبنان الرسمي إلى تشكيل الوفد اللبناني المرتقب بعيون مثقلة بالقلق، لا بوصفه مساراً تفاوضياً واعداً، بل كرهان أخير لالتقاط أنفاس الدولة قبل انزلاق الجنوب إلى تصعيد إسرائيلي واسع، تتجاوز ارتداداته الجغرافيا إلى جوهر الكيان.
غير أن ما يطفو إلى السطح، وفق معلومات متقاطعة، لا يوحي بولادة مقاربة سيادية متماسكة، بقدر ما يكشف إعادة إنتاج المنطق اللبناني الكلاسيكي، وتفريغ الاستحقاقات المصيرية من مضمونها.
تشير المعطيات إلى أن الوفد المدني، برئاسة السفير سيمون كرم، سيتوسع ليضم شخصية شيعية وأخرى سنية، في محاولة لإلباسه عباءة "الوفاق الوطني" وتذهب الترجيحات إلى تسمية سفير لبنان السابق في بريطانيا رامي مرتضى كممثل شيعي مقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن يحسم المقعد السني لاحقاً، على مستوى سفير سابق أيضاً، غير أن هذه التركيبة، بدل أن تطمئن، تفتح الباب على سجال عبثي يعكس مأزق الدولة أكثر مما يعكس قوتها.
في هذا السياق، يقدم النائب السابق مصطفى علوش قراءة لاذعة، تكاد تكون تشريحاً سياسياً بلا مخدر فبحسب علوش، قد يتولى رئيس الحكومة نواف سلام تسمية المقعد السني، لكن الإشكالية لا تكمن في من يسميه، بل في عبثية هذا الاشتباك برمته. ويسأل بحدة منطقية، لماذا لا يسميهم جميعاً رئيس الجمهورية؟ ما المشكلة، طالما أن هذه المواقع ليست دستورية ولا رسمية، ولا تمس جوهر السلطة التنفيذية أو موازينها؟
بالتالي كل ما يجري بنظره ليس سوى "حرتقات" لبنانية مألوفة، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تصنع سياسة ولا تحمي سيادة.
يتجاوز علوش الشكل إلى الجوهر، حيث تتكشف الحقيقة العارية، إذا لم تنتهِ هذه الاجتماعات إلى إزالة سلاح حزب الله وتطبيق القرار الدولي 1701 بحرفيته، فإن هوية المفاوض شيعياً كان أم سنياً أم حتى بروتستانتياً لن تغير شيئاً في الواقع.
فالمعادلة ثابتة، والنتائج محسومة سلفاً، ومن هنا، يصف هذا السجال بالطريقة اللبنانية "التافهة"، لأنه يزج البلاد في متاهات جانبية، ويستنزف ما تبقى من وقت سياسي ثمين، من دون أي أفق لنتائج ملموسة.
أما اعتراض الحزب على رئاسة سيمون كرم للوفد، فيراه علوش اعتراضاً بلا قيمة عملية، كَوْن كرم، في نهاية المطاف، لا يفاوض باسمه، ولا يملك تفويضاً ذاتياً، بل يلتزم حرفياً بما تقرره الحكومة، بالتالي أي خروج عن هذا الإطار يعني تلقائياً سقوط الاتفاق داخل مجلس الوزراء، فلجنة الميكانيزم هي لجنة تشاورية لا تقريرية، تدور في حلقة مفرغة، وتستخدم كواجهة سياسية أكثر منها أداة فعلية لإدارة النزاع.
الخلاصة التي يرسمها علوش قاتمة بقدر ما هي واقعية، اي على حد قوله: نحن ندور في التفاهات نفسها، فيما المشهد الإقليمي يرسم بالنار، لأن إسرائيل لا تريد حواراً، والحزب لا ينوي تسليم سلاحه، والنتيجة أن تل أبيب تمضي عملياً في فرض منطقة عازلة في الجنوب، لتجنب الغرق المتكرر في جولات استنزاف مفتوحة، وبين هذا وذاك، يقف لبنان الرسمي عاجزاً، يتنازع على أسماء وصفات، بينما تنتزع منه أوراقه الاستراتيجية واحدة تلو الأخرى.