في لبنان، عندما يتعلق الأمر بقضايا "الشباب والشغب"، يبدو أن الأولوية دائماً للإعلام أولاً، والاستفتاءات على الإنترنت ثانياً، فيما الحقيقة تبقى تفصيلاً ثانوياً لا يستحق الانشغال. حادثة الشاب السوري الذي تعرّض للضرب على يد تلميذ مراهق ومرافقه، بدأت كبساطة حادث اعتداء، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى "سكوب" إعلامي من الطراز الرفيع.
مدرسة "IC" اتخذت قراراً واضحاً بطرد التلميذ المعتدي، إلا أن ما تلا ذلك أثار جدلاً واسعاً. عائلة التلميذ، مدعومة بنفوذ سياسي واجتماعي، أطلقت استفتاءً إلكترونياً بطريقة أثارت الكثير من التساؤلات، خيار واحد فقط، جواب مسبق، بحيث كان المشاركون مدعوّين بشكل غير مباشر لدعم بقاء التلميذ في المدرسة.
المفاجأة لم تتوقف هنا، إذ شارك سياسيون بارزون بالتوقيع على الاستفتاء، من دون ذكر أسماء العائلة، في ما بدا كإعادة صياغة للحادث وكأنه لم يحدث. العملية تمثل نموذجاً واضحاً لـ"فن الالتفاف"، حيث يصبح النفوذ الاجتماعي والسياسي كافياً لتجاوز أي مسؤولية، والظلم مجرد تفاصيل صغيرة لا تذكر.
الاستطلاع بهذا الشكل يشكّل نموذجاً مصغّراً لـ"الديموقراطية اللبنانية"، مصطنعة ومشوهة، تخفي خلفها سيطرة الأقوى، وتغفل الأسباب الحقيقية وراء تشجيع بعض الشباب على العنف.
المراقبون طرحوا تساؤلات حول انعكاسات هذا النهج على بناء جيل واعٍ، يتمتع بالحد الأدنى من الأخلاق والوعي الاجتماعي، ويحافظ على كرامة الإنسان مهما كانت وضعه الاجتماعي، أم أن الواقع اللبناني يرسخ بدلاً من ذلك مفهوم "حكم القوي" تحت غطاء الاستفتاءات المصطنعة والديموقراطية المشوهة؟