كتب المتخصص في علم الضيافة إيلي دانيال:
في عالم الضيافة، لم تعد جودة الطعام أو فخامة المكان هي المعيار الأهم، بل أصبحت تجربة الضيف هي المقياس الحقيقي للتميّز. الضيف اليوم لا يبحث فقط عن خدمة، بل عن شعور، ذكرى، وتجربة تترك أثراً في داخله. وبناء هذه التجربة لا يحدث بالصدفة، بل هو نتاج وعي، تخطيط، وثقافة ضيافة متجذّرة في كل تفصيل.
الضيف لا يشعر بالترحيب إلا عندما يكون الفريق نفسه يشعر بالانتماء. الموظف السعيد والمقدَّر ينقل طاقته الإيجابية للضيف بشكل طبيعي. لذلك، تبدأ التجربة من الداخل: من ثقافة المؤسسة، من طريقة تواصل الإدارة مع الموظفين، ومن مستوى الاحترام والثقة السائد داخل الفريق. الضيافة الحقيقية لا يمكن تدريبها فقط، بل يجب زرعها في القلوب قبل العقول.
هذا المفهوم يتجسّد بوضوح في تجربة الشيف أنطوان الحاج، أحد أعمدة الضيافة والتعليم الفندقي في لبنان، الذي أشار في حديث لـLebtalks الى أن "حسن الضيافة هي واجهة لبنان، وهي فن استقبال الضيف من خلال عدة عوامل، تبدأ بطريقة الخدمة في المطعم و تنتهي بأسلوب التعاطي الإنساني مع الضيوف".
منذ بداية مسيرته التعليمية، حرص الشيف أنطوان على تعليم كل شيء بطريقة صحيحة، ولفت الى أنه كان "يدرّس تلاميذه بشغف، ويحثهم على ممارسة العمل لاكتساب الخبرة. لم يكن التعليم مجرد تلقين، بل كان نقاشاً وتفاعلاً داخل الصف، مما ساهم في صقل مهاراتهم وتحفيزهم على التميّز.
والنتيجة أن كثيراً من تلاميذه اليوم يشغلون أهم المناصب في مجال الضيافة في لبنان، الشرق الأوسط، أوروبا، وأميركا".
وعلى الرغم من هذا النجاح، أكد الشيف أنطوان أن "الضيافة في لبنان لا تزال بخير من حيث الجوهر، لكن لا يُعطى لها المجال الكافي لتُمارس كما يجب. فالمخضرمون في هذا المجال قد كبروا في العمر، والمطاعم الجديدة التي تظهر "من قريبو"، أي من دون خبرة أو أسس صحيحة، لا تملك ما يكفي لتقديم حسن الضيافة الحقيقي".
الضيوف قد ينسون الوجبة التي تناولوها، لكنهم لا ينسون كيف جعلتهم يشعرون. التفاصيل الصغيرة، مثل ابتسامة عند الوصول، استخدام اسم الضيف، أو تذكر تفضيلاته، قادرة أن تحوّل تجربة عادية إلى استثنائية. الاهتمام الصادق بهذه التفاصيل هو ما يصنع الفرق الكبير.
الاتساق في الخدمة هو ما يبني الثقة، والثقة تصنع الولاء. والتواصل الفعّال، من نغمة الصوت إلى لغة الجسد، هو ما يحوّل الشكوى إلى فرصة. أما المفاجآت الصغيرة، فهي التي تصنع الذكريات الكبيرة: قطعة حلوى إضافية، بطاقة شكر بخط اليد، أو كلمة ودّ من المدير أثناء مرور سريع على الطاولات.
في النهاية، الضيف لا يعود فقط لأنه أحب المكان، بل لأنه أحب الناس الذين التقوه. حين يشعر بأن وجوده موضع تقدير، تتحول الزيارة إلى رابط عاطفي طويل الأمد. تجربة الضيف لا تُقاس بعدد الابتسامات أو التقييمات، بل بما يشعر به بعد مغادرته. وإن استطعت أن تزرع لحظة صادقة من السعادة في قلبه، فقد نجحت في بناء تجربة لا تُنسى.