الضمانات الأميركية تسقط سردية انتصار الحزب

Hezb funeral in war

كتبَ أنطوان سلمون:

لم يكن غريباً او مستغرباً ولن يكون ما رآه المواطنون اللبنانيون العاديون، وما راقبه المتابعون من خارج لبنان عبر الشاشات المحلية والعالمية، من احتفاليات النصر ونثر الارز وزخات الرصاص وصيحات النشوة والاعتزاز من بين أطنان الركام وأطلال ذكريات المنازل المهدّمة وصور المرتقين على طريق القدس من الأمين العام للحزب المنتصر وصولاً الى آخر من ارتقى بالأمس بعد وقف اطلاق النار وأثناء الاحتفالية بالنصر في بلدة الخيام المحروم اهلها من العودة بقرار من افيخاي ادرعي.

هذه المشهدية تكررت منذ العام 1967 مروراً بـ2006 وصولاً الى اليوم ومن احمد سعيد الى محمد سعيد الصحاف وصولاً الى ما قبل تلك المشهدية بأيام مع المغفور له محمد عفيف النابلسي وقنوات الممانعة وصحفها وصحافييها لذلك لم يكن غريباً او مستغرباً ما رأيناه وما سمعناه من ممانعة ترى الانكسار انتصاراً والتراجع اقداماً والفرّ كرّاً.

بعيداً عن نشوة السردية الأخيرة بالنصر بعد سقوط كل السرديات السابقة والتي تليت على مسامعنا لعقود من ازالة اسرائيل من الوجود الى احتلال الجليل والردع، والحماية،  والبناء، والمقاومة، وصولاً الى رفض التفاوض قبل وقف اطلاق النار واستسهال الاتيان بنهر الليطاني الى الحدود واستحالة انسحاب الحزب من جنوبه الى شماله ورفض فصل جبهة غزة عن جبهة الجنوب اللبناني ورفض عبارة “كامل مندرجات القرار 1701” والذي يعني بما يعنيه من التزام الموافقين على هذه العبارة التي باتت تتكرر على السن المفاوضين المفوضين من الحزب على بياض.. وغيرها من السرديات التي اعتمدها الحزب سلاحاً تخوينياً بوجه الداخل المعارض بالكلمة والمنطق حفاظاً على السيادة التي “اسقطها” الحزب بموافقته بعد خراب البصرة على ما كان اخترقه ورفضه لعقود خلت.

توضيحاً لما نقول نعود الى ما كان قد قاله كوصية الامين العام الراحل حسن نصرالله في 19 ايلول 2024: “بعض الدول الغربية تريد أن نقوم بتسوية ونطبق القرار 1701 ونُنهي الحرب، وتُترك غزة، ويكون كل ما قدمناه من تضحيات خلال عام قد ذهب سُدى. الجواب بإسم كل الشهداء، جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة، أيا تكن التضحيات والعواقب”.

ليأتي التزام الحزب بوقف اطلاق النار في لبنان قبل ودون وقف العدوان على غزة ووقف اطلاق النار فيها وعليها مخالفاً لوصية الشهيد نصرالله وبعد مفاوضات غير مباشرة مع الاسرائيليين عبر الوسيط الأميركي آموس هوكستين وعبر المفوض الاخ الأكبر الرئيس نبيه بري في مخالفة اخرى لما كان قد اكده الامين العام الحالي نعيم قاسم في 7 تشرين الثاني 2024 اذ قال: “لن يكون هناك طريق للمفاوضات غير المباشرة من خلال الدولة اللبنانية، إلا إذا أوقفت إسرائيل هجماتها على لبنان.. عندما يقرر العدو وقف العدوان، هناك طريق للمفاوضات حددناه بشكل واضح، وهو التفاوض غير المباشر عبر الدولة اللبنانية”.

ليقر لاحقاً وفي 20 تشرين الثاني 2024 مخالفاً نفسه حتى قبل الاعلان عن اتفاق النصر بقوله: “نحن قررنا أن يكون هناك مساران يسيران معاً مسار الميدان، ومسار المفاوضات.. إن افترضنا أن المفاوضات لم تنجح نحن مستمرون”.

في سردية اخرى اخيرة لطالما كررها الحزب ومحوره عن “الشريك الأميركي” في العدوان الاسرائيلي على غزة ولبنان والمستضعفين في العالم ودوره في الدعم والتسليح نرى ان هذا “الشريك” هو الذي لعب الدور الاساس والمباشر عبر الوسيط الاميركي-الاسرائيلي في ابرام اتفاق وقف اطلاق النار والذي على اساسه احتفى الحزب والمحتفون واحتفل من خلال القبول ببنوده المحتفلون بالنصر المبين،على الرغم من قول امين عام الحزب في 15 تشرين الأول 2024 على ان “أميركا تمثل الشيطان الأكبر وتريد الشرق الأوسط الجديد”، وفي 20 تشرين الثاني 2024 بأننا “نواجه وحوشاً بشرية إسرائيلية تدعمها وحوش بشرية كبرى أمريكية”، وهو الخطاب نفسه الذي اعلن فيه عن قبوله بالمفاوضات  في ظل الوساطة الاميركية وبمناقشة ورقتها ووضع ملاحظاته عليها والتي افضت في الحصيلة الى اتفاق الانتصار” المنوّه عنه.. هنا يستوقفنا كلام المفوض من الحزب الرئيس نبيه بري في نفس اليوم الذي تكلم به قاسم عن دعم “الوحوش البشرية الكبرى الاميركية للعدوان الاسرائيلي” الذي قال فيه: “ضمان موقف الاسرائيليين على عاتق الأميركيين”.

بالكلمة عن الضمان وفي حصيلة حقيقية لما سبق ورافق ولحق بالاتفاقات من ملحق “ضمانات” نجد ان الكفة مائلة لا بل طابشة لصالح تمادي العدو الاسرائيلي بخرق السيادة اللبنانية ونزع سلاح الحزب “المقاوم” ووقف التسليح وتفكيك قواعده وبناه العسكرية وتدمير انفاقه والتأكيد على القرار 1559 وعبر حرية الحركة الاسرائيلية تحت عبارة “يحتفظ كل من اسرائيل ولبنان بحق الدفاع عن النفس”، لتطبش الكفة بما ورد في ورقة الضمانات الأميركية اذ يرد فيها: “تعتزم إسرائيل والولايات المتحدة تبادل معلومات استخباراتية حساسة تتعلق بانتهاكات، بما في ذلك أي اختراق من حزب الله داخل الجيش اللبناني”، و”يحق للولايات المتحدة مشاركة المعلومات التي تقدمها إسرائيل مع أطراف ثالثة متفق عليها (الحكومة اللبنانية و/أو اللجنة) لتمكينهم من التعامل مع الانتهاكات”.

“وتلتزم الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل لكبح أنشطة إيران المزعزعة في لبنان، بما في ذلك منع نقل الأسلحة أو أي دعم من إيران”، و”تعترف الولايات المتحدة بحق إسرائيل في الرد على التهديدات القادمة من الأراضي اللبنانية وفقاً للقانون الدوليفي المنطقة الجنوبية”، تحتفظ إسرائيل بحقها في التحرك في أي وقت ضد الانتهاكات للالتزامات. و”خارج المنطقة الجنوبية، تحتفظ إسرائيل بحقها في التحرك ضد تطور التهديدات الموجهة إليها إذا لم تستطع أو لم ترغب لبنان في إحباط هذه التهديدات، بما في ذلك إدخال أسلحة غير قانونية إلى لبنان عبر الحدود والمعابر”.

و”ستُنفذ الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع فقط، وستكون غير مرئية للعين المجردة قدر الإمكان، ولن تكسر حاجز الصوت”.

ان خير من أكد على سقوط سردية الانتصار هو في قراءة ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الموافق على الاتفاق تاريخ 27 تشرين الثاني 2024 فعلى الرغم من موافقتهما بالتوقيع على القرار، ابدى وزيرا الحزب امتعاضاً من انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وتشكيكاً به وبقوته وبدوره كما تعاملا بفوقية مع بقية الوزراء ومع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون… لتطل بعدها صحيفة الحزب في 28 تشرين الثاني 2024 مؤكدة على ما ورد في الجلسة مهاجمة بشراسة الجيش وخطته في الجنوب وقيادته.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: