المتطرفون من نبيذ الافخارستيا في إيران الى شجرة الميلاد في سوريا

shajra

كتب أنطوان سلمون:

امام ما جرى من حرق لأشجار الميلاد في بعض المدن السورية ومدينة طرابلس اللبنانية، يحق للمسيحي الحر كما يحق لكل مؤمن بحرية الايمان والمعتقد وان لا إكراه في الدين ولا تكفير ولا تخوين ولأي طائفة انتمى، ان يقف موقف المعترض المعارض المستنكر المندد والمدين لتلك الأعمال ومن قام بها ان كان محرّضاً او فاعلاً او مندساً مستغلاً او كان طابوراً خامساً متضرراً من التطورات الدراماتيكية التي حصلت وتحصل وقد تحصل على الساحة الاقليمية ودول الممانعة.

امام ما جرى من استهداف مستنكر يصبح من المستغرب لا بل من المستهجن ان تنبري احدى الحركات الاسلامية – الحزب الايراني في لبنان – والتي تنتهج وتتبع خطى الجمهورية الاسلامية في ايران دينياً فقهياً سياسياً اجتماعياً تربوياً، لتدين وتعظّم ما جرى وكأنها بعيدة هي ومنهلها في جمهورية ولاية الفقيه وأذرعها، عن تلك الممارسات والارتكابات والتجاوزات… في حين ان باع هذه الجمهورية وتلك الحركة طويل في الزمان والمكان في الاضطهاد والقمع والتعذيب والتصفية المذهبية الطائفية وحتى الاتنية يعبر عنه في محطات وتجليات ومنعطفات كثيرة.

لقد فات بعض من كان يخوف المسيحيين من تأثير استبدال حكم الاسد على وجودهم ودورهم وعددهم ومن اعتبر حرق اشجار الميلاد دليلا على صحة تخويفه انه طيلة عهد الأسدين منذ العام 1971 وحتى سقوط بشار الاسد في 8 كانون الأول 2024 لم يحصل مسيحيو سوريا، أسوة بغيرهم من السوريين، على حقوق المواطنة الكريمة. وكانت نسبة المسيحيين في سوريا عام 1970، أي مع مستهل حكم الأسد، حوالي 10% من نسبة السكان وفق الأرقام التي كانت موجودة في الكتب المدرسية آنذاك. لتسجل النسبة عام 1985 انخفاضا إلى 4.5% وفق تقديرات أمريكية حيث لم يكن هناك لا داعش ولا نصرة ولا جولاني يومها ولا من يجولون… وكان المسيحيون في سوريا شأنهم شأن المسيحيين في العراق ومصر وبقية الدول العربية كائنات بيولوجية لا كياناً سياسياً حراً فاعلاً.

اما في المثال الايراني الاسلامي الذي يحتذي فيه الحزب، فيبقى مشهد مقتل الايرانية مهسى اميني بسبب الحجاب نموذجا سبقته نماذج كثيرة عن مدى تمسك نظام الخميني وبعده خامنئي بالحريات وعلى رأسها حرية المعتقد والماكل والمشرب وممارسة الشعائر الدينية ومن هنا ننتقل الى ما ضاهى حرق شجرة الميلاد من قبل اطراف قد لا تكون منظمة ولا رسمية، ففي كانون الاول 2012 صدر حكم في ايران قضى بجَلد 4 مسيحيين 80 جلدة، لكل واحد منهم، بسبب تناولهم النبيذ خلال حفل قربان مقدس وبسبب امتلاكهم هوائي قمر صناعي، وقد القي القبض عليهم اثناء تواجدهم في الكنيسة وهم بهزاد تاليباساند، مهدي رضا أوميدي، مهدي دادخان وأمير حاتمي، وفي الوقت نفسه وجّه تقرير للأمم المتحدة انتقادات للجمهورية الإسلامية على خلفية ممارستها سياسات تعنى باضطهاد غير المسلمين.

هنا لا بد من التنويه بما قاله من هو على رأس المخوفين من التغيير الحاصل في سوريا اعني به الوزير السابق جبران باسيل الذي اعتبر في 16 ايلول 2014 “ان النبيذ هو عنصر مقاومة في وجه الهجمة التكفيرية” متناسياً عمليات حرق وتفجير محلات بيع المشروبات الروحية والخمور التي قام بها الحزب المقاوم في صور والنبطية وكفرمان وغيرها من المناطق.

الحزب الديني الاسلامي الشيعي الاثنا عشري عبر عن نفسه منذ بيان تأسيسه داعياً المسيحيين في لبنان والعالم الى النظام الاسلامي الذي يقوده الولي الفقيه في إيران ليقيم في الارض كلها قسطاً وعدلاً بعد ان ملئت ظلماً وجوراً ويكفي لتأكيد ممارسة ما دعا اليه النظر الى ما حلّ باهل الضاحية من المسيحيين وبأملاكهم بعد انتزاع الحزب وبالقوة السلطة والمريجة وبرج البراجنة وحارة حريك – والتي جرف الحزب مبنى بلديتها بحجج واهية-وقد استنكر النائب السابق حكمت ديب هذا التصرف واعتبره اعتداءً واستهدافاً غير مبرر للبلدية المسيحية- وغيرها من المناطق ذات الاغلبية المسيحية والتي طبقت عليها أحكام الشريعة مستلهمة ما رأيناه من نظام الملالي في ايران.. ولأن الأمثلة والدلائل على تلك الممارسات كثيرة كبيرة من المفيد ان نأخذ بعض نماذجها المعبرة المطابقة لأفكار من اقدم على حرق اشجار الميلاد في سوريا ولبنان، فنقرأ في  في كتاب “بلاد الله الضيقة الضاحية اهلاً وحزباً” لكاتبه فادي توفيق الصفحة 33: “بنى حزب الله في الضاحية نصاب دولة كاملاً، من مدارس، وزارة أشغال، نظام ضمان اجتماعي، مشاف، بنوك اسلامية، هذا من غير ان يفوتنا عامل له من الأهمية في تماسك معاقل حزب الله ما لها كل مؤسساته، عنيت عامل الرشوة المتمثل في أنه بسيطرته على هذه المناطق انما يحمي القاطنين فيها من غائلة القوانين وأكلافها من ضرائب، الى شروط تسجيل المؤسسات التجارية والصناعية، وتسجيل العاملين فيها بمؤسسة الضمان الاجتماعي، وسوى ذلك من تسديد فواتير الكهرباء والمياه، كما يحررهم من التقيّد بمعايير أخرى من قبيل الشروط الصحية للمطاعم وأسواق الخضار وبائعي اللحوم. ففي المناطق التي يسيطر عليها يكفي الالتزام بالشروط “الشرعية” التي يفرضها الحزب لمباشرة العمل،أما عدا ذلك فيعد من باب النوافل التي لا يجب الالتزام بها”.

وعن نظام الحكم الاسلامي النموذج الذي يطمح تعميمه على لبنان التعددي حيث للمسيحيين الدور الريادي فيه سياسياً حضارياً ثقافياً اجتماعياً، انطلاقا من تلك “الأرض الضيقة” – الضاحية وتطبيقا لشرائعه الملزمة تحت طائلة العقوبات القصوى كما يقتضيه شرعه لا قوانين الدولة اللبنانية العربية الوحيدة التي يغيب عن دستورها وقوانينها “دين الدولة هو الاسلام” عمم الحزب المسيطر حديثا على الضاحية نظام حكمه بمنشور وجب التقيّد به اذ ورد فيه حرفيا: ندعو أهلنا الكرام في مناطقنا الاسلامية للتقيّد بالأمور التالية:

(1) مراعاة الحشمة في اللباس (وخاصة النساء) وذلك في حدود المحافظة على الأجواء الاسلامية التي يجب ان تتوفر في مجمتع المسلمين والتذكّر دائماً بأننا نعيش في مناطق إسلامية ولسنا في بلاد الكفر والشرك لذا فالمطلوب مراعاة شعور المسلمين في هذه المناطق

(2) عدم القيام بالحفلات المحرمة التي تسبب الأذى للآخرين وضرورة التقيد بعدم رفع أصوات الغناء سواء في المنازل او السيارات وغيرها…

(3) يمنع اللعب بآلات القمار (كالورق وما شابهه) وإن كان من دون شرط..

(4) يمنع تعاطي الخمور والمخدرات بيعاً وشراءً وشرباً….

(5) يمنع التلفظ بألفاظ الفحش والسباب

(6) يمنع قيادة السيارات بتهور (لأي كان) حفاظاً لسلامة الآخرين

(7) ضرورة التقيّد بالأوقات المحددة لإطفاء مولدات الكهرباء

*يعمل بمضمون هذا البيان من حين صدوره وكل من يخالف سيتعرض

 للملاحقة والله ولي التوفيق

“لجنة إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.

  من ضمن السياق ومع بدء الانطلاق فجّر الحزب في العام 1982 تمثال جمال عبد الناصر على طريق بعلبك سنة 1982 لأن “التماثيل حرام”، ولم تكن بعد حركات طالبان والنصرة وداعش قد أبصرت النور.

امتداداً لتطبيق تلك العقيدة والشريعة وفي 18 كانون الاول 2006، دخل عناصر من الانضباط في حزب الله الى ملهى “Tabou” في مبنى العازارية المقابل لكنيسة مار جرجس في وسط بيروت واعتدوا على الشباب والشابات في الملهى وطردوهم واقفلوا الملهى بحجة تقديمه الخمور والاساءة للآداب العامة.

ملاحظة: العناصر المذكورة كانت من ضمن “المعتصمين” في ساحة رياض الصلح…مع التنويه هنا ان كل من داعش والنصرة كانا قد أعلنا عن نفسيهما في الـ2013، وفي 9 كانون الأول 2016 منعت بلدية الصرفند وضع شجرة الميلاد عند مفرق البلدة “الذي أردنا منه ان يعكس العيش المشترك خصوصا بوضع الشجرة الميلادية مع تزامن عيد المولد النبوي” على ما أكد أحمد خليفة رئيس جمعية “شباب الصرفند” صاحبة المبادرة.

طبعا يتذكر اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة  الفيديو كليب الذي يؤلّه حسن نصرالله امام مذبح كنيسة مار يوسف حارة حريك… إنشاد فرقة الولاية (التابعة لحزب الله) عنوان الأغنية “للسيّد ربّ يحميه”.

كذلك ما ذكرته صحيفة “النهار” 16 كانون الثاني 2009: “في أحدث ابتكار ناتج من محاولة تقديس السياسيين وزعماء الأحزاب وتأليههم،ظهرت في الفترة الأخيرة مسبحة تباع في عدد من المحال التجارية، في مناطق معظم سكانها من المسيحيين تضم صور قديسين من بينهم مار شربل والقديسة رفقا وصورة للسيدة العذراء وقد زجّت بينها صورة للسيد حسن نصرالله” تماما كما رأينا اليوم ما هو أخطر من احتراق شجرة الميلاد وذلك في اختراق شجرة ميلاد الرب يسوع وزينتها بصور قادة الحزب المصنف ارهابي من عشرات الدول الغربية والعربية كما لن ينسى المسيحيون كيف حوّل الحزب الكنيسة في لاسا الى حسينية انفاذا لعقيدة عبّر عنها الامين العام الراحل حسن نصرالله بقوله “كسروان وجبيل مناطق المسلمين وقد جاءها المسيحيون غزاة”.

ما لم نره في تجاوزات ايران وحزبه في لبنان بحق المسيحيين لعقود رأيناه في ردات الفعل الرافضة المستنكرة  الصادرة عن الطرابلسيين والسوريين سياسيين ومواطنين على حرق اشجار الميلاد وقد تكون النتيجة والاصوات التفضيلية التي حصدها النائب القواتي ابن طرابلس ايلي خوري في انتخابات 2022 جوابا للمخوفين المصطادين في عكر الحرائق المفتعلة من فاعل مجهول بتاريخ معلوم، لنقول مع صاحب العيد “سوف تعرفون الحق والحق يحرركم”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: