المفاعيل السياسية والجيو سياسية لسقوط نظام الأسد

Doc-P-1290110-638693316966830414

كتب جورج أبو صعب: لا تزال المنطقة تحت صدمة السقوط السريع لنظام بشار الأسد، والذي كنا نتوقّعه في الآونة الأخيرة نتيجة لانسيابية أحداث تتالت وتوالت على الملف السوري منذ استعادة المقعد في الجامعة العربية، وصولاً الى اجتماعات وزراء الخارجية الإيراني والعراقي والسوري مؤخراً لمحاولة إنقاذ نظام الأسد.

هذه “الصدمة الإيجابية” لا تمنع من التطلّع الى ما يمكن أن يكون عليه الوضع في سوريا في المقبل من الأيام، ومن هنا فإننا نرى الآتي :

-أولاً: سقوط النظام السوري يعني في ما يعنيه سقوط كافة العقوبات والقوانين العقابية التي كانت مفروضة على النظام وفي طليعتها قانون “قيصر” الأميركي، وتفعيل قانون ما يسمى “بحفار القبور” الذي تسعى واشنطن من خلال الكونغرس للتصويت عليه، وهو معدُّ لمحاكمة الأسد ورجال نظامه على الفظاعات التي ارتكبوها في حق السوريين وغير السوريين خصوصاً بعد الذي تتكشّف عنه الساعات الأخيرة من ممارسات تعذيب وقتل وإبادة للجنس البشري التي مورست في سجون وأقبية النظام المخلوع، وبالأخص في سجن صيدنايا وسجن المزّة وسواها من أماكن اندحار الإنسانية.

-ثانياً: سقوط النظام في دمشق أدّى الى سقوط كافة الترتيبات والاتفاقيات التي كانت مبرمة بين الدولة السورية وإسرائيل، وفي هذا السياق نذكر قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير منذ ساعات والذي من خلاله أمر الجيش الإسرائيلي بإعادة الاستيلاء على المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل في الجولان، وقد انهار اتفاق المنطقة العازلة للعام 1974 فيما يستمر تواجد قوات الفصل الدولية، ما يعني الحاجة المستقبلية الملحّة لاتفاق جديد مع النظام السوري الجديد، وقد تخلّى جنود الأسد عن مواقعهم ما شجّع عودة إسرائيل الى وضع اليد عليها ضماناً لأمنها بحسب سردية تل أبيب، فسقوط اتفاقية المنطقة العازلة تعيد مسألة الاحتلال الإسرائيلي للجولان الى المربّع الذي كان عليه إبان حرب 1973، ما يعني أنها ستكون مسألة حامية وأساسية في المقبل من الأيام، إذ إن تل ابيب في آخر الأخبار فرضت منطقة عسكرية مغلقة ابتداء من يوم الثامن من كانون الأول الجاري في  مناطق زراعية عدة من الجولان بغية إحكام السيطرة عليها والتحكّم بالداخل والخارج اليها ريثما يتمُّ إيجاد ترتبيات جديدة، علماً أن في المنطقة معادلة درزية مهمة وحساسة لإسرائيل تبدأ بمجدل شمس ولا تنتهي بأصغر قرية في الجولان.

-ثالثاً: من مفاعيل سقوط نظام الأسد سقوط الورقة السورية في لبنان، وبالتالي سقوط كافة رموز النظام الأسدي وفي طليعتهم المرشح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية الذي فقدَ ظهيريه الإيراني باغتيال الأمين العام حسن نصرالله والسوري بسقوط “الصديق الشخصي والحليف الداعم”.

يضاف الى ذلك سقوط أي نفوذ للأسد في لبنان، وفي المعادلات السياسية الداخلية والرسمية وفي هذا السياق من المتوقّع أن يعمد لبنان الرسمي الى إلغاء كافة الاتفاقيات الثنائية التي أُبرمت بين البلدين أيام الوصاية السورية والنظام الأمني اللبناني السوري، وأن يعيد ترتيب أوراق علاقته بالدولة السورية على أسس متوازنة من السيادة والاستقلال وعلاقات الأخوة وحسن الجوار، من دون أن ننسى التأثير المباشر لسقوط الأسد على حزب الله، علماً أن العلاقات بين الطرفين في الآونة الأخيرة لم تكن على خير ما يرام بعدما وقف الأسد موقف الحياد حيال حربي غزّة ولبنان تاركاً الحليف الإيراني في ورطة من دون فتح الساحة السورية أمامه.

إلا أن الأكيد بأن حزب الله فَقدَ مبرّرات أي تواجد له في سوريا وأي تورّط له فيها، وهذا الأمر سيزيد من عزلته الداخلية والإقليمية إذ لا مجال له بعد اليوم للاتكال على الممرات السورية للإمداد بالسلاح، ولا مجال له بعد اليوم للاتكال على المعابر غير الشرعية لتهريب المخدِّرات والسلع والأموال من والى سوريا، وقد أحكم الجيش اللبناني فوق كل ذلك المعابر الشرقية والشمالية في ظل غياب من النظام الأسدي الساقط يلقاه على الطرف الآخر من الحدود.

-رابعاً: سقوط نظام بشار الأسد هو سقوط لركيزة إيرانية أساسية لمشروع إيران التوسعي في المنطقة وقد خسرت إيران على التوالي الورقة الفلسطينية في غزّة والورقة اللبنانية في الجنوب والورقة السورية من بوابة دمشق، وبالتالي استُكملت فصول كسر “الهلال الإيراني الشيعي الصفوي” في المنطقة، بحيث أن سقوط النظام في دمشق بمثابة سقوط الهلال وتأثيراته ونفوذ إيران الإقليمي، فيما العراق يستعدُّ لتغييرٍ في النظام بالسياسة أو بالقوة،كما أن الحوثيين يتحسّسون عزلتهم وقد التزموا الصمت حيال ما جرى في سوريا لأنهم أدركوا تفكّك محورهم واقتراب الإطباق عليهم في ظل عجز إيراني عن حمايتهم كما عجزت عن حماية حسن نصرالله ويحيى السنوار وبشار الأسد.

-خامساً: سقوط النظام السوري هو سقوطٌ لروسيا في سوريا وسقوطٌ للورقة الاستراتيجية الروسية في المنطقة، وقد كان لافتاً تولي سلاح الجو الإسرائيلي تدمير كافة مقاتلات الميغ 29 في مطارات وقواعد سوريا في الساعات الماضية وكأن الرسالة الأميركية للرئيس فلاديمير بوتين تقول له بصريح العبارة إن رحيل نظام الأسد الحليف يستتبعُ حكماً رحيل السلاح الروسي من المنطقة وانسحاب النفوذ الروسي بدءاً من مطار حميميم وصولاً الى قاعدة طرطوس العسكرية البحرية التي لم تعد سوى “أثرٌ بعد عين”.

-سادساً: سقوط النظام السوري أفسح في المجال أمام عودة “السنيّة السورية” الى حكم سوريا، وقد أُسدِلت الستارة على حكم العلويين ومعها أسدِلت على معادلة حكم الأقليات في المنطقة أو “تحالف الأقليات” الذي لم يجلب سوى الخراب للمنطقة ولشعوبها من كافة الأطياف والأديان والمذاهب والأعراق.

وفي هذا السياق، نشير الى التسويق الناجح لأبو محمد الجولاني (القاعدي القديم) والمدرَج على قوائم الإرهاب الأميركي، إذ إن تسويقه الحالي شكلاً ومضموناً وبرنامجاً يُطلقُ إشارات القبول به وبمستقبل سياسي له في حكم سوريا فأحمد الشرع (إسمه الحقيقي) تحت مجهر الاختبار الأميركي والغربي… وقد نجح حتى الآن في اختبارٍ أساسي ألا وهو تحرير سوريا من نظام الأسد واحترام كافة المواطنين السوريين من مختلف التوجّهات والأديان والمعتقدات، فنقطة قوته أنه لم يدخل سوريا كغريبٍ كما حصل مع دخول الأميركي العراق لتحريره من حكم صدام حسين، بل دخلَ سوريا كسوري ومع مقاتلين سوريين ما أكسبه المعركة ومنع عنه أي ضغط أو تأثير أو تأثر بأي طرف خارجي.

يبقى أن سوريا أمام مفترق طريق جديد قوامه الخيار بين العودة لظلمات التطرّف الديني أو الانفتاح على آفاق الغد الإقليمي والدولي الرحب بالحداثة والديمقراطية والدستور العصري والإصلاحات البنيوية الأساسية في الاقتصاد والمال والإعمار.. ويقيننا أن الأشقاء السوريين الذين تعلّموا من ماضيهم ما فيه الكفاية لن يكونوا سوى على الموعد مع الغد المشرق لبلدهم ولمنطقتنا ..

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: