لم يكن خروج الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أبو عمار من بيروت في 30 آب 1982 رافعاً “شارة النصر” إلا تعبيراً مستمراً مستداماً ينسحب على حالة النكران المرضية التي أصابت وتصيب “المظفّرين” في لحظة مواجهتهم لحقيقة ما وصلوا اليه وما لم يحققوه من انجازات وانتصارات لطالما وعدوا وأكدوا على تحقيقها.
تماماً كما كان إعلان أمين عام الحزب حسن نصرالله “انتصاره” في حرب تموز على الرغم من تلاوته لفعل الندامة على تسببه بها لما كبّدت اللبنانيين من خسائر وتحديداً بقوله في 27 آب 2006″ لو كنت أعلم في 11 تموز انه هناك إحتمال 1% بأن يقوم العدو بهذه الحرب لما اقدمت على خطف الجنديين الإسرائيليين، ذلك لأسباب اخلاقية وانسانية واجتماعية وأمنية وعسكرية إذ إن حزب ألله لا يقبل بذلك ولا الأسرى ولا أهاليهم”.
الأكيد أيضاً كما هو حاصل اليوم في تسطير حركة حماس اليوم في غزة والجبهات المساندة للإنتصار الكبير على الرغم من الخسائر بالأرواح والممتلكات التي فاقت خسائر الاجتياح الاسرائيلي في 1982 وحرب تموز 2006 مجتمعَين بأضعاف مضاعفة.
في العودة الى 1982 لم يكن خروج ياسر عرفات ومعه منظمة التحرير الفلسطينية وباقي الفصائل الفلسطينية من بيروت الا نتيجة للاجتياح الاسرائيلي في 6 حزيران 1982 والذي اتى نتيجة لمحاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في بريطانيا شلومو ارجوف في 3 حزيران،ليأتِ الخروج-الانتصار بعد مناشدات دولية عربية لبنانية وفلسطينية بوقف الحرب على لبنان وبفك الحصار عن بيروت.
كذلك تكرر مشهد المناشدات والمطالبات مع بدء حرب تموز وصولاً الى 14 آب 2006 مع صدور القرار 1701 الذي اوقف الحرب على لبنان واللافت والمؤكد والمثبت ان الحكومة “المقاومة” والحزب والممانعين كانوا على رأس المناشدين المطالبين المستجدين وقف الحرب التي انتهت هي الأخرى برفع هؤلاء أيضاً لشارة النصر.
اليوم وفي الذكرى الثانية والأربعين للاجتياح الاسرائيلي للبنان وبعد مرور ثمانية اشهر على عملية طوفان الأقصى التي ادت الى ما تؤدي اليه من حرب وكوارث على غزة والغزاويين الفلسطينيين وعلى الجنوب والجنوبيين اللبنانيين، تتكرر مشهدية المناشدات والمطالبات الدولية والعربية والفلسطينية واللبنانية بوقف الحرب كمطلب وشرط اول وبند أساسي في المفاوضات بين حماس واسرائيل عبر الوسطاء، ففي 30 ايار 2024، قالت حركة حماس في بيان لها: “الاحتلال الإسرائيلي استخدم هذه المفاوضات غطاء لاستمرار العدوان والمجازر ضد شعبنا الفلسطيني، ورد على موقفنا الإيجابي، باجتياح مدينة رفح واحتلال المعبر، وقدم ملاحظات تفضي إلى تعطيل جهود الوسطاء، حركة حماس والفصائل الفلسطينية لن تقبل أن تكون جزءاً من هذه السياسة باستمرار المفاوضات في ظل عدوان وقتل وحصار وتجويع وإبادة جماعية لشعبنا، لقد أبلغنا الوسطاء اليوم موقفنا الواضح باستعدادنا التوصل لاتفاق كامل يتضمن صفقة تبادل شاملة في حال أوقف الاحتلال حربه وعدوانه ضد شعبنا في غزة”.
ينتظر المحور الممانع على عادته من إيران مروراً باليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، “وقف الحرب” على غزة بعد طول مناشدة وتوسل واستجداء، لرفع شارة النصر بالمضمون ذاته الذي رفعت فيه بعد الاجتياح الاسرائيلي في 1982 وبعد حرب تموز 2006 .
انطلاقاً مما يثار من مغالطات وراء غبار المعارك والدمار وما يذر من رماد خلف الحرائق والاهوال، أصبح من الضروري والمفيد “قلب” ميدالية “انتصار الممانعة” ليتبيّن الوجه الثاني الفعلي للميدالية ولذاك “الانتصار” الوهمي المغطّى والمخفي.