"النكتة" التي أشعلت المجتمع المسيحي.. مبارك غير مُبارك

abdo moubarak

اقتحمت قضية "الكوميدي" ماريو مبارك المشهد اللبناني في الأيام الأخيرة، لا كخبرٍ عابر، بل كعاصفة هزّت الرأي العام ولامست المحرّمات. حتى زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان لم تنجح في خطف الأضواء أو صرف أنظار الجمهور عن هذه القضية التي لا تزال تتفاعل بقوة.

ماريو مبارك، الذي رأى أن طريقة دفن المسيح لم تكن "جيدة" بدليل أنه تمكن من القيام من الموت بعد ثلاثة أيام، تابع استفزاز الجمهور بقوله إن ليسوع المسيح "sense of humor" كما شبّه تلامذة المسيح الاثني عشر بـ 12 followers قبل ألفي عام، في استعارةٍ أثارت موجة واسعة من الجدل.

هذه السخرية كلّها، وغيرها ممّا ورد في عرض مبارك، فجّرت موجة غضبٍ عارمة داخل المجتمع المسيحي في لبنان، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كما وترافقت معه سلسلة من التساؤلات والانتقادات، وصولاً إلى تقديم شكاوى قضائية بحقّه. فالبعض رأى في ما قاله تجاوزاً للخطوط الحمراء ومسّاً مباشرًا بالمقدّسات، فيما اعتبر آخرون أن الأمر يدخل ضمن إطار الكوميديا الساخرة ولو بحدّتها القصوى.

وفي جولة سريعة على خلفيّته الروحية، يتبيّن أن مبارك ليس شخصاً بعيداً من البيئة الكنسية، بل هو شاب مسيحي نشأ داخل الكنيسة نفسها، وكان جزءاً من إحدى جمعيّاتها الروحية الرسولية، ما يعني أنه متشرّب تعاليمها وقريب من تقاليدها الإيمانية. وهنا تكمن المفارقة التي زادت من حدّة ردود الفعل، فالشخص الذي قدّم "نكاته" على حساب المسيح وتلامذته الاثني عشر، هو نفسه ابنُ الكنيسة التي نشأ في أحضانها وتكوّن على مبادئها.

هذا التناقض بين الخلفية الروحية لمبارك وما قدّمه على المسرح جعل القضية أكثر تعقيداً، وأثار نقاشاً واسعاً حول حدود الكوميديا، ومتى تتحوّل من نقد إلى استفزاز، ومن مزحة إلى صدمة تمسّ شريحة واسعة من المؤمنين.

لكن يبدو أنّ مبارك غير مُبارَك هذه المرّة، إذ إنّ المسّ بالرموز الدينية ممنوع، والسخرية من المسيح ممنوعة، والتطاول على تلاميذه ممنوع، وعدم احترام المعتقدات الدينية ممنوع أيضاً، وفق ما أكّده مدير المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم في حديث لموقع Lebtalks.

وشدّد أبو كسم على أنّ ما ورد في العرض يتجاوز سقف الحرية الفنية، ويمسّ بالمقدّسات المسيحية بشكل مباشر.

ومن جهته، دعا المونسنيور أبو كسم النيابة العامة إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقّ مبارك، معتبراً أن القضية تستوجب موقفاً واضحاً يضع حدّاً لمثل هذا النوع من التعدّيات على الرموز الدينية.

ولم يكن أبو كسم الصوت الوحيد في هذا الاتجاه، إذ انضمّ عدد كبير من الناشطين والمحامين إلى موجة الاعتراض، مقدّمين شكاوى قضائية تطالب بتوقيف مبارك ومحاسبته.

لكن، وبالرغم من أنّ ما جرى يعدّ بنظر كثيرين تجاوزاً واضحاً لمبدأ الحريات تحت غطاء الفن، إلا أنّ الهجوم اتّجه هذه المرّة نحو الأصوات التي رفعت اعتراضها ووقفت في وجه ما اعتبرته تعدّيات على المقدّسات.

فالمونسنيور عبدو أبو كسم، الذي عبّر بوضوح عن موقفه الرافض لما جاء في عرض مبارك، وجد نفسه هو أيضاً في قلب موجة واسعة من الانتقادات بسبب مواقفه الصارمة.

وفي حديثه لموقعنا، قال أبو كسم: ما قمت به هو ما يمليه عليّ ضميري، وأنا مقتنع تماماً بقراري ولن أتراجع عن موقفي.

وشدّد على أنّ المسألة لا تحمل أي طابع شخصي، موضحاً: "أنا لا أعرف ماريو شخصياً، ولا أعلم بما يؤمن أو ما هي معتقداته، لكن القضية هي قضية مبدأ. هناك أسس لا يجوز أن تجرفنا الحياة إلى المساس بها، لأنها تمثّل أصولنا وجذورنا وهويّتنا وديانتنا".

بهذا الكلام، حاول أبو كسم وضع النقاش في إطاره الذي يراه صحيحاً: دفاعٌ عن الثوابت الدينية لا مواجهة مع الأفراد.

في هذا السياق، لم يكن ماريو مبارك الكوميدي الأول الذي يتعرض لهذا الهجوم بسبب المساس بالرموز الدينية، الا أن زميله نور حجار سبق وأن تعرض للموقف نفسه وأوقف بسبب "نكتة" مسيئة للدين الإسلامي.

هنا يمكن أن نجد أن المشكلة لا تكمن في الأشخاص الذين يدافعون عن الدين، بل في الأشخاص الذين يستعملون الدين أداة ووسيلة لأن يكونوا trend بعالم تحكمه شروط مواقع التواصل الاجتماعي.

أما من الجانب القانوني، فقد تناقلت وسائل اعلام لبنانية خبراً أن الأمن العام اللبناني أوقف ماريو مبارك اليوم الجمعة في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، كما صادرت السلطات جواز سفره وهاتفه إلى حين استكمال التحقيقات المتعلقة بالقضية.

في النهاية، تبرز قضية ماريو مبارك كنقطة محورية في النقاش الدائر حول حدود الحرية الفنية والمسؤولية الاجتماعية والدينية في لبنان. فهي ليست مجرد حادثة كوميدية انتقلت من ضحك على المسرح الى جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بل انعكاس لصراع بين الحرية الفردية والرغبة في تصدر الشاشة من جهة، والثوابت الدينية من جهة أخرى.

هذه القضية، تعكس مدى تعقيد العلاقة بين الفن، الدين والقانون، وتفتح الباب أمام أسئلة أكبر حول أين تمر خطوط المسموح والممنوع في مجتمع يحكمه التاريخ والتعددية والتقاليد.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: