الولاء للوليّ.. ولو سقط الوليّ نفسه

naim-kasem-r0wi6q5iwc4sqnpexl0dmpqlbfa5ea4a1ku3uafokg

يفترض بالشيخ نعيم قاسم، وهو يجدد الولاء للوليّ الفقيه، أن يدرك أن إيران التي كان تحت جناحها قبل أربعين عاماً لم تعد هي نفسها اليوم.

إيران الثورة أصبحت إيران التفاوض، والوليّ الذي كان يتحدث عن "تحرير القدس" بات يحسب مداخيل النفط بالدولار الرمادي القادم من "الشيطان الأكبر" نفسه.

أما الشرع الذي أُقحم يوماً في مشروع "الإسلام السياسي" هو ذاته الذي سلّم نسخته السنية إلى حضن البيت الأبيض، فيما يحاول خامنئي اليوم تشييع النسخة الشيعية منه، لا عبر الدعوة والإيمان، بل عبر صفقة باردة مع واشنطن تنقذ نظامه من الغرق الاقتصادي والسياسي.

من الخارج، تبدو إيران "صامدة" كما تصف نفسها، لكنها في الواقع محاطة بتناقضات عميقة، اقتصاد منهك، مجتمع يغلي، تضخم يلتهم الطبقة الوسطى، وعملة تعيش أسوأ مراحلها. الدولة التي وعدت بالاكتفاء الذاتي تستورد البنزين وتهرّب النفط في "أسطول الظل"، والداخل يفيض بالاحتجاجات من عمال وطلاب ونساء ومناطق محرومة من أبسط الخدمات.

تحالفات طهران اليوم اضطرارية لا استراتيجية، تقارب مع موسكو وبكين بدافع الضرورة لا القناعة، فالاتفاق مع روسيا لم يكن تحالفاً عقائدياً بل زواج مصلحة بين نظامين منبوذين يواجهان عزلة غربية خانقة، ومع ذلك، تستخدمها موسكو كطريق بديل في التجارة والطاقة، لا كشريك متكافئ.

نفوذها الإقليمي يتراجع ببطء، في العراق تتقدم قوى وطنية مستقلة، في سوريا القرار أميركي، في لبنان أصبح "الحزب" عبئاً على بيئته، وفي اليمن الحوثيون يفاوضون بواقعية تغضب طهران، محور "الممانعة" الذي كان شعاراً أصبح شبكة مصالح تتحرك وفق موازين العقوبات لا العقيدة.

أما طهران، فتلوّح بتخصيب اليورانيوم وتصرخ ضد الغرب، بينما تسعى في الكواليس إلى صفقة إنقاذ اقتصادي مع واشنطن، العقوبات تخنقها، والاتفاق النووي المؤجّل بات حلمها الأخير قبل الانفجار الداخلي.

في هذا المشهد، يتحول "الحزب" إلى الورقة الإيرانية الأغلى والأخطر، أداة تفاوض إقليمية، يرفع صوته ضد إسرائيل حين تحتاج طهران إلى الضغط، ويصمت حين تبدأ المفاوضات، والشيخ نعيم، في تجديده للولاء، لا يعبّر عن إيمان بقدر ما يعيد توقيع العقد بين الضاحية وقمّ، دعمٌ مقابل ولاء، وشرعية مقابل تبعية، وشعارات مقابل صمت عن الانهيار.

لكن الورقة اللبنانية فقدت قيمتها في البورصة الإيرانية، المنطقة تغيّرت، العرب يتجهون نحو التطبيع، وإيران نفسها تلهث خلف تفاهم مع من كانت تسميه "الشيطان الأكبر".

إيران اليوم ليست ثورية بل نظام إدارة أزمات، نفط تحت العقوبات، عملة منهارة، جيل فقد إيمانه بالثورة، وهوية مرتبكة عند رأس النظام.

تتحدث طهران عن المقاومة وهي تفاوض، وعن الاستقلال وهي تعتمد على الصين وروسيا، وعن "تحرير القدس" وهي تشتري وقتاً في عمّان ومسقط.

وهكذا، حين يجدد الشيخ نعيم ولاءه، فهو لا يعلن موقفاً عقائدياً بل ارتباطاً بنظامٍ يرتجف، نظامٌ كان يصدّر الثورة فأصبح يستورد الاستقرار، وكان يخاطب المستضعفين فبات يخشى المستهلكين.

إيران التي أرادت "تشييع" الإسلام السياسي انتهت إلى "علمنته"، سياسة بلا روح، ومقاومة بلا مشروع، وثورة بلا جمهور.

أما الشيخ نعيم، فبقي واقفاً على المنبر يكرر كلمات فقدت زمنها، كأنه يقول للتاريخ، "الولاء للولي باق، ولو سقط الولي نفسه".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: