في قراءة دقيقة للواقع السياسي اللبناني، يتضح أن البلاد تقف اليوم على مفترق طرق حاد، حيث تتقاطع الحسابات القانونية مع الصلاحيات السياسية، وتتضارب الإرادات بين رموز السلطة التقليدية والقوى الجديدة الباحثة عن تثبيت قواعد اللعبة الديموقراطية.
وفي هذا السياق، أكد رئيس مجلس النواب نبيه برّي، خلال استقباله مجلس نقابة الصحافة اللبنانية، أن "القانون الانتخابي الحالي نافذ، وأن الانتخابات لن تُجرى إلا وفق القانون النافذ".
تؤكد هذه التصريحات على التمسك بالصياغة القانونية السائدة، لكنها في الوقت نفسه تفتح باب النقاش حول مدى مرونة السلطة التشريعية في مواجهة المطالب الشعبية والسياسية، خصوصاً فيما يتعلق بملف المغتربين الذي ظل محل خلاف بين مختلف القوى السياسية.
فبري، الذي طالما طالب منذ أكثر من ثماني سنوات بتطبيق اتفاق الطائف في شقه المتعلق بقانون الانتخابات وإنشاء مجلس للشيوخ، يعيد تأكيد استعداده للموافقة على هذا المسار، لكنه يطرح السؤال الجوهري: هل هناك توافق فعلي لدى باقي الأطراف السياسية؟
في المقابل، ترد القوات اللبنانية عبر موقع LebTalks بأن "الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد، وأي تأجيل يفتح الباب أمام سلسلة تأجيلات لاحقة"، مؤكدة "ضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية بكافة مستوياتها، سواء كانت رئاسية، نيابية أو انتخابية"، هذه المقاربة تؤكد تصميم القوات على تثبيت مبادئ اللعبة الديموقراطية، وتحدّي أي محاولة للهيمنة الفردية على مسار الانتخابات.
مصادر القوات تشير إلى أن "موقف برّي يعكس سيطرة شخصية على آليات المجلس النيابي، إذ يتصرف وكأن القرار منفرد، متجاوزاً الأغلبية النيابية وآليات المجلس الدستورية، بما في ذلك مشروع القانون المعجل المكرر الذي قدمته الحكومة ولم يُعرض على الهيئة العامة".
وهو بذلك يضع نفسه في موقع "الأمر الناهي"، متجاهلاً الدور الرقابي والسياسي للأكثرية النيابية وفق النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي ينص على أن الهيئة العامة هي المخولة بالبت في الاقتراحات القانونية، سواء بالرفض أو الإحالة أو التأجيل.
في هذا المناخ المتأزم، تشير القوات إلى أن "المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً سياسياً مدروساً، يعكس صراعاً أعمق بين من يرى في القانون أداة لتثبيت السلطة، ومن يعتبر الانتخابات حجر الزاوية لضمان تداول السلطة ومحاسبة أي تجاوزات".
وفي قلب هذه المواجهة، يطرح السؤال الوجودي: هل ستفرض الهيمنة الفردية على الصلاحيات التشريعية نفسها، أم أن إرادة القوى السياسية المعارضة، ممثلة في احترام القانون والهيئات النيابية، ستنتصر، لتعيد رسم قواعد اللعبة الديموقراطية؟ الإجابة على هذا السؤال لن تحدد فقط مستقبل الانتخابات، بل مستقبل الدولة اللبنانية برمتها.