بصمات البطريرك صفير في السيادة والاستقلال والانتخابات

Cardinal Nasrallah Sfeir is the 3rd Maronite Cardinal and the 76th Patriarch of the Maronite Church (Photo by Maher Attar/Sygma via Getty Images)

تطل الذكرى السادسة لمغادرة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، من دون أن تغادرنا وصاياه بعمقها وصدقها واثرها وتأثيرها والتي لطالما احتوت خطبه وتصاريحه المقتضبة المعبّرة بما قلّ ودلّ تختصرها عبارته "لقد قلنا ما قلناه"، هذه العبارة غير المألوفة على الكثير من المتعاطين بالشأن السياسي والاعلامي والاجتماعي والتي غالبا ما ردّ بها على المفترين عليه ومهاجميه ومنتقدي دوره الفاعل بعمق في استقلال وحرية وسيادة لبنان دفعت بالكثيرين الى الاقرار بفضله بـ"حفر جبل الاستقلال بإبرة".

قد يكون خير تعبير عن ثبات قناعات البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والذي استلهمه من ثبات المسيحيين الأوائل في مرحلة تأسيس الكيان اللبناني هو في ما قاله عقب تفجير كنيسة سيدة النجاة في الزوق في 28 شباط 1994 مشدّداً متشدّداً: "نحن الذين لجأنا الى المغاور والكهوف في عهد الظلم والظلام طوال مئات السنين ليسلم لنا الإيمان بالله وعبادته على طريقتنا في هذه الجبال وعلى هذه الشواطئ ولتبقى لنا الحرية التي إذا عُدمناها عُدمنا الحياة".

وليؤكد المؤكد في مكان وزمان آخر على مسار الحرية الذي سبق مسيرة بطريرك الحرية والاستقلال وسيستمر بعده، بوجه "ذميي" ذاك وهذا العصر بقوله: "مهما قست الأيام، ومهما عَظُم المصاب، فإننا لن نيأس، نحن في هذه البلاد لسنا بطارئین، نحن من أنشأنا لبنان ولن نكون غرباء فيه".

تظهّر أثر وتأثير البطريرك كذلك منذ تاريخ 20 ايلول 2000 مع نداء المطارنة الموارنة المحطة التي انطلق منها قطار تحرير لبنان من الاحتلال السوري عبر لقاء قرنة شهوان "المسيحي" لتبنى عليه لاحقاً لقاءات البريستول 1 و2 و3 الجامعة بعد انضمام وليد جنبلاط ورفيق الحريري إليها لتنتج عنها انتفاضة الاستقلال في 14 آذار 2005 والتي أدت الى انسحاب جيش الاحتلال السوري في 26 نيسان 2005.

لم يسكن ولم يستكن البطريرك مار نصرالله بطرس صفير بعد انسحاب جيش الاحتلال السوري، أمام الاحتلال الثاني المقنّع بحزب السلاح وهيمنته وتاثيره كالاحتلال السابق على الحرية والاستقلال والاستقرار، وكعادته وعملاً بقاعدته الذهبية لقد "قال البطريرك ما قاله" "بما يسمى حزب الله" وبخطر سيطرته على أكثرية مجلس النواب هو وحلفائه واتباعه من مقتنعين وذميين مستتبعين اذ كانت دعواته مدوّية في هذا المجال وما زالت اذ يقول في حديث لمجلة المسيرة في 7 شباط 2009 قبل اربعة أشهر من الانتخابات النيابية التي جرت في حزيران 2009: "إذا انتقل الوزن إلى 8 آذار و14 آذار لم يعد لهم وزن، فإن هناك أخطاراً سيكون لها وزنها التاريخي على المصير الوطني"، ليدق ناقوس خطر الحزب عشية الانتخابات في 6 حزيران 2009 محذراً اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة بقوله: "اننا اليوم أمام تهديد للكيان اللبناني ولهويتنا العربية، وهذا خطر يجب التنبه له، ولهذا فإن الواجب يقضي علينا أن نكون واعين لما يدبر لنا من مكايد، ونحبط المساعي الحثيثة التي ستغير، اذا نجحت، وجه بلدنا"، داعياً الجميع الى "التنبه لهذه المخاطر والى اتخاذ المواقف الجريئة التي تثبت الهوية اللبنانية، ليبقى لبنان وطن الحرية والقيم الاخلاقية والسيادة التامة والاستقلال الناجز، ولا يضيع حق وراءه مطالب".

ومن الوصايا والتي ما زالت سارية المفعول حتى الساعة وأُثبِتَت بوقائع الحرب "التي قامت" بين 8 تشرين الأول 2023 و27 تشرين 2024 ما قاله في 6 شباط 2010: "ان فرص الحرب قائمة في استمرار ما دام "حزب الله" يريد ان يقوم مقام الدولة.. الطرف الذي يملك السلاح يستقوي على الآخرين.. ونرفض وجود جيشين في لبنان".

لقد تصادفت الذكرى السادسة لرحيل البطريرك صفير مع اتمام الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان ومحافظتي الشمال وعكار، ومع النتائج التي حصدها السياديون من قوات لبنانية وحزب كتائب وشخصيات مستقلة على حساب القوى التي حذر منها البطريرك صفير منذ العام 2009 واستمر محذراً حتى وفاته، ومع اهتزاز ان لم نقل سقوط "عروش" و"معاقل" و"اقطاعيات" لا سيما في المتن وجونية وحارة حريك في بعبدا وزغرتا والبترون والكورة، ومع سقوط او اضعاف "ثوابتها" وودائعها والتي كانت متبرعة ومساهمة في التمادي في عصر الوصاية وبعده في استهداف بكركي وسيدها ولقاء قرنة شهوان ولقاءات البريستول و14 آذار وسيادييها، تودداً للمحتل واستزلاماً لوكيله المسلح مقابل حفنة من  المصالح والمناصب والمواقع.

يتبيّن مما ذكرنا وذكّرنا به، ان نداء البطريرك السيادي من خلال المطارنة في العام 2000، ودقه لناقوس الخطر الانتخابي في العام 2009، كانا بمثابة "المانيفستو" الذي طابقته وطبّقته القوى السيادية رسمياً سياسياً شعبياً طلابياً نقابياً بلدياً وقريباً نيابياً، وليؤكدا ان رحيل البطريرك صفير في 12 تموز 2009 لم ولن يكون إلا رحيلاً بالجسد فقط، اذ ان وصاياه ترجمت وتجسدت وتتجسد حرية وسيادة واستقلال على كامل الـ10452.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: