بعد التشييع… عودة شيعية إلى الواقعية

tshyi3 nassralla

طويت أمس مرحلة مهمة من تاريخ لبنان والشرق كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في صلبها. وشكّلت إيران منصّة لها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وتفتتح اليوم مرحلة جديدة توجتها كلمة أمين عام “الحزب” الشيخ نعيم قاسم الذي رفع من سقف خطابه أمام الجماهير، لكنه في النهاية أكّد الإلتزام بالدستور و”الطائف” ودعم الجيش.

كان يوم 27 أيلول قاسياً على “حزب الله” وايران. لقد نفذت إسرائيل عملية تغيير وجه الشرق الأوسط باستهداف نصرالله وبعدها بأيام قليلة إغتالت خليفته السيد هاشم صفي الدين وكرّة سبحة الإغتيالات.

عاشت البيئة الحاضنة لـ”حزب الله” أصعب مرحلة في تاريخها. القيادات إغتيلت، “الحزب” يخسر مقاتليه في الميدان، والتهجير والتدمير سيّد الموقف.

أخذت الحرب قسطاً من الراحة بعد التوقيع على اتفاق الهدنة في 27 تشرين الثاني. وفي 8 كانون الأول حلّت الكارثة الكبرى على إيران و”الحزب” وسقط محور “الممانعة” بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

شيّع “حزب الله” نصرالله وصفي الدين، وعلى رغم محاولات شدّ العصب للحشد للتشييع، إلا أن الواقع الجديد عكس بيانات التجييش. وهناك وقائع ميدانية وعسكرية وسياسية تفرض نفسها، ولا يمكن للمكوّن الشيعي تخطيها.

فقد “حزب الله” الكثير، كل ما أسّسه على مدى 40 عاماً سقط في 40 يوماً تقريباً. القيادات قتلت، المقاتلين إما خسرهم أو أصيبوا، الوضع المادي صعب للغاية. خسر “حزب اللهسوريا التي كانت المعبر الأساسي لمرور السلاح والمال الإيراني، وكان مردود الكبتاغون المنتج في سوريا كافٍ لتمويل “الحزب” وأذرع إيران. تبدّل الواقع السياسي وأغلقت الحدود السورية وبات “الحزب” خارج الأراضي السورية.

من يراقب الوضع الداخلي، يكتشف خسارة “حزب الله” نفوذه مهما إرتفع الصراخ. رئيس الجمهورية يُنتخب من دون إرادة “الحزب”، رئيس الحكومة يٌسمّى وسط إمتعاضه. لا يستطيع الدخول إلى الحكومة بوزراء حزبيين بعدما كان يفرض تركيبة الحكومة بأكملها، لا يملك ثلثاً معطّلاً بعدما كرّسه كعرف بعد إجتياحه بيروت في 7 أيار 2008. خرج من جنوب الليطاني، وكل محاولاته العودة تفشل وتواجه باستهداف اسرائيلي كما حصل أمس.

القرارات الدولية تحاصره جنوب الليطاني وشماله. خرج من المطار والمرفأ وفقد أحد أهم أسلحته.

وإذا كان بعض مما تبقى من كوادر “حزب الله” يغامر في مصير الشيعة، إلا أن هناك من يدعو إلى قراءة الواقع الجديد بتمعن. ويحاول رئيس مجلس النواب نبيه برّي لعب دور الأب الراعي للطائفة الشيعية بعد تضعضع قيادة “الحزب”، ويعلم جيداً على ماذا وافق هو و”الحزب” في اتفاقية وقف إطلاق النار.

وإنطلاقاً من كل هذه التطورات، عادت الشيعة كطائفة إلى حجمها الطبيعي. لا أحد يريد شطبها من المعادلة، لكن لا أحد يرغب بعودة عقارب الساعة إلى الوراء. وقد أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون أن أحداً لا يستهدف الشيعة وهم مكوّن اساسي.

يفكّر العقل الباطني للقيادات الشيعية بما حل بالطائفة المسيحية يوم اضطهدها النظام السوري وكانت القيادات الشيعية وبقية الطوائف شريكة في الإضطهاد. يومها لم يسارع أحد لإحتضان المسيحيين أو يقفوا على خاطرهم، بل أمعن الجميع في ضربهم بمساعدة الإحتلال السوري، مع العلم أن المكوّن المسيحي لم يُدخل لبنان في حرب الإسناد ويجلب الدمار أو يكون مكوناً في خدمة المشروع الإيراني، بل كان يهدف إلى منع الإحتلال السوري من وضع يده على لبنان وتطبيق “الطائف” والدستور.

تفرض الواقعية أيضاً أن يفكر الشيعة أن حجمهم في المجلس النيابي هو 27 نائباً، أي إنهم لا يملكون الثلث المعطل في مجلس مكوّن من 128 نائباً، وأيضاً يحق لهم بخمسة وزراء في حكومة مؤلفة من 24 وزيراً، وبالتالي قد تسير عجلة الحكم من دونهم إذا قرروا الإستمرار بالإرتباط بطهران وعرقلة الحكم ومحاولة التصرف وكأنهم يملكون القوة ويحكمون البلد.

التشييع طوى صفحة من تاريخ شيعة لبنان، ولم يبقى أمام هذه الطائفة إلا العودة إلى لبنانيتها، وإلى النظام، فالسلاح الإيراني دمرهم ولا يوجد إلا سلاح الدولة يحميهم. وكل شعارات إيران و”الممانعة” سقطت وهذه الشعارات لن تعيد ترميم المنازل أو إعادة الوضع إلى ما كان عليه.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: