شكّلت مشاركة المرشّح السوري اليهودي الذي يحمل الجنسية الأميركية هنري يوسف حمرة حدثاً استثنائياً، وإن كان رمزياً، في انتخابات أول مجلس شعب سوري منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، كونها أول إطلالة علنية "يهودية" على المشهد السياسي الانتقالي في سوريا في عهد الرئيس أحمد الشرع.
هذا الترشّح المفاجئ في التوقيت والمكان طرح أكثر من علامة استفهام حول "شتات" اليهود من أصول سورية وتوزعهم على دول العالم وعلاقتهم بالقومية العربية في الدول التي يتحدرون منها، علماً أن أكبر جالية يهودية مقيمة حالياً في الدول العربية هي في المغرب وتليها تونس.
المرشح اليهودي هنري حمرة هو شخصية سورية يهودية ينحدر من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة التي تتوزع بين نيويورك وبروكلين ونيوجرسي، وهو نجل الحاخام الأكبر لليهود السوريين في نيوريورك يوسف حمرة الذي غادر سوريا في أوائل التسعينيات بعد رفع القيود وحظر السفر عن اليهود السوريين، وقد ترشح عن دائرة دمشق لعضوية مجلس الشعب السوري رافعاً شعار "الدعوة لسوريا مزدهرة وعادلة" ولربط اليهود السوريين في الخارج بوطنهم الأم في إطار التسامح والتعددية الدينية، كما قدّم برنامجاً انتخابياً دعا فيه الى المساهمة في إعادة إعمار سوريا والتنمية الاقتصادية، مضيفاً بأنه سيستمر بالعمل مع أبناء الجالية في نيويورك من أجل إلغاء قانون قيصر الذي يفرض عقوبات قاسية على سوريا من دون شروط، وهو بهدف تعزيز ترشحه قام بزيارة دمشق برفقة والده في منتصف أيلول الفائت، ما يطرح إشكالية عودة الحضور اليهودي الى سوريا، خصوصاً اذا علمنا أن عدد السوريين المقيمين بشكل دائم في سوريا لا يتجاوز ١٥ شخصاً من المسنّين ولا نشاط علني ديني لهم، أما الكُنُس والمقابر التابعة لهم فهي في معظمها مهملة أو متضررة، فمتى بدأت الهجرة الجماعية لهؤلاء السوريين؟
عدد شتات اليهود السوريين حول العالم يتراوح بين ٧٠ و١٠٠ ألف يُعرفون بإسم "اليهود السفارديم السوريين" وقد بدأت هجرتهم الكثيفة في العام ١٩٤٨ بعد قيام دولة إسرائيل بسبب العداء المحلي لهم، وفي أوائل التسعينيات سمح لهم الرئيس حافظ الأسد بالهجرة رافعاً عنهم قيود السفر مقابل عدم الذهاب الى إسرائيل لكن الكثير منهم خالف ذلك (في إسرائيل اليوم نحو ٧ الآف يهودي من أصل سوري) فيما أفواج أخرى اختارت الهجرة الى الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وتركيا والمكسيك والأرجنتين حيث تتفاوت أعدادهم بين دولة وأخرى لكنهم في مطلق الأحوال حافظوا على مؤسساتهم الدينية والتجارية والمدارس الخاصة بهم.
دمشق كانت تضم أكبر تجمع يهودي في سوريا ولهم في حي "جوبر" كنيس "إلياهو النبي" وهو أحد أقدم الكُنُس اليهودية في العالم. حلب أيضاً كانت تضم جالية قديمة وكنيس "الغرناطلي" فيها كان مركزاً دينياً مهماً، أما في القامشلي والحسكة فكان عدد اليهود أقل لكنهم لعبوا دوراً اقتصادياً بارزاً في العقود الماضية.
خطوة ترشح السوري اليهودي الأميركي هنري حمرة لم تأتِ عن عبث فهناك مَن تلمّس وراءها رسالة سورية واضحة الى الغرب والولايات المتحدة تحديداً تدعو ربما الى ربط ما انقطع من جذور خلال عقود طويلة من الصراع العربي - الإسرائيلي في المشهد الإقليمي العام الذي يُحضّر للمنطقة!