امام سقوط الضحايا ورائحة الموت والدمار وضياع جنى العمر والارزاق والبطالة والفقر، تغيب كل الشعارات الواهية التي سقطت بدورها وولىّ زمنها، فإختفت معها عبارات الصمود والتصدّي التي كان يطلقها المناصرون والمؤيدون لحزب الله، ولم تعد عبارة "فدا المقاومة" تنفع، لأنّ الوضع الأمنيّ مخيف وإمكانية إتساع الحرب أصبحت وشيكة، والصور السوداء لا تغيب عن أعين الجنوبيين وسكان الضاحية الجنوبية، حيث تبرز بيئة حزب الله التي لم تعد حاضنة مع توالي السقطات والخسائر من كل النواحي، فبات القسم الاكبر من هؤلاء يعبّرون عن غضبهم الشديد من الحرب التي فُرضت عليهم، خصوصاً اهالي القرى الحدودية التي تعيش في قلب النيران يومياً، فأصبحوا نازحين في بلدهم، في إنتظار تحقيق الوعود التي لا تزال حبراً على ورق.
هذه الصورة شاهدناها في الامس من خلال إعتصام نفذه اهالي كفركلا والعديسة والجوار، مندّدين بما فعله بهم الحزب، ومطالبين بأدنى حقوقهم بعد وصولهم الى هذا الدرك، سائلين عن نواب منطقتهم الغائبين في احلك الظروف.
الى ذلك اعلن الاهالي في بيان عن أنّ "الوقفة الإحتجاجية التي نظموها ما هي إلا الخطوة الأولى بهدف إيصال صوتهم الى كل الجهات المعنية بملف الإعمار وإغاثة المتضرّرين، وهدّدوا بسلسلة تحركات إذا لم يتم التجاوب مع مطالبهم المُحقّة".
في السياق ثمة جنوبيون ينتمون الى الطائفة الشيعية، يتحدثون في مجالسهم عن توقهم إلى التحرّر من قبضة الحزب والاستغلال ضمن تحرّكات ستظهر لاحقاً، لرفض احتكار حزب الله للتمثيل الشيعي، والانخراط في حروب المنطقة باسم إيران، من دون مراعاة تداعيات ذلك على لبنان.
وفي هذا الاطار تنقل مصادر شعبية شيعية وجود تحوّلات في مزاج مناصري حزب الله، مع رفضهم لكل ما يجري بعدما وُضعوا مجبرين في إطار ضيّق بعيد عن العيش بسلام بعدما فقدوا كل شيء، مؤكدين وجود تململ كبير في صفوفهم لم يعد خافياً لانّ الكيل طفح.
إنطلاقاً من هنا ثمة مشاهد انقلابية جديدة لم يشهدها الحزب في حروبه، ستكون حديث الساعة من الآن فصاعداً مع مفاجآت مرتقبة خاصة في مدينة بعلبك، التي كانت تشكل أحد أهم معاقل الحزب في لبنان، والكلمة ستكون لإعلاء الصوت لأنّ السكوت لم يعد مقبولاً، بالتزامن مع التهديدات التي يطلقها الاسرائيليون لمناطق البقاع والجنوب، لذا بات رفض الاهالي للحرب في العلن، وهذا ما ظهر منذ أيام من خلال صوتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو الى التحرّر وعدم الإنسياق وراء الوعود، لأنها لم تكن سوى أكذوبة، ولفتوا الى أنّ صناديق الانتخابات النيابية في أيار 2026 ستؤكد ما يقولونه، والمرتقب سيكون مختلفاً عما سبقه، وبالتالي فالوتر المذهبي الذي كان حزب الله يستعين به دائماً لن "يفعل فعله" هذه المرّة، لأنّ البيئة لم تعد حاضنة والأصوات ترتفع داخل العشائر البعلبكية، بعد سقوط عدد كبير من أبنائها في حرب عبثية هدفها إسناد الاخرين، فحولّت مناطق مدينتها الى مستودعات أسلحة وآليات ومعامل لتصنيع الصواريخ وغيرها، لذا تبحث اليوم عن مسار جديد لا يتوافق مع الرسائل "الجهادية" التي يضعها الحزب عنواناً دائماً في حروبه، بل عن وطن شرعي سيادي.