إذا كانت إسرائيل لا تزال تعربد حتى الآن في لبنان، فللأسباب التالية:
أولاً: لأن اتفاقية وقف الأعمال العدوانية في تشرين الثاني 2024 منحتها حرية التصرف في الجو والبحر والبر، وهو ما ساهم في إنجازه الثنائي الشيعي، الذي لم يعترض على الورقة الأميركية-الإسرائيلية الملحقة، وكان على علم بها.
ثانياً: لأن حزب الله، بحربه الإسنادية الأحادية والمنفصلة عن قرار لبناني جامع وقرار حرب وسلم شرعي بيد الدولة اللبنانية، وفق أحكام المادة 65 من الدستور، جلب للبنان الاحتلال مجددًا. وللتذكير فقط، قبل 8 تشرين الأول 2023، كان الجنوب اللبناني مستقرًا ولم يكن هناك احتلال.
ثالثاً: لأن حزب الله لم يعد بمقدوره العسكري طرد الإسرائيلي من النقاط الخمس، وبات يتلطّى خلف الدولة التي كان يسيطر على مفاصلها طوال 30 عامًا، مطالبًا إياها اليوم بإزالة الاحتلال بالطرق الدبلوماسية، وهو الذي عوّدنا على المبادرة، من دون إذن أو دستور، بالهجوم على العدو. فكيف أصبح اليوم طائعًا خانعًا وراء الدولة، في حين أن العدو المختل يفتك بأبناء بيئته كل يوم، من قصف بالمسيرات، إلى استهدافات بالسيارات، إلى تفجير مخازن وأماكن حساسة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية؟
رابعاً: لأن حزب الله، الذي فقد قائده التاريخي، أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله، وقياداته العليا كافة، لم يعد قادرًا على إدارة دفة القرار وحده، في ظل تعاظم الانقسامات الداخلية بين تيار انتحاري وتيار واقعي براغماتي.
خامساً: لأن الدولة اللبنانية، التي بات الحزب ينهَرها ليل نهار طلبًا لتأمين انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، ما زالت فتية في حلتها الجديدة وبرنامجها الإنقاذي الجديد، وبالتالي هي بحاجة إلى وقت. بينما الحزب، وطوال سنوات وسنوات، لم يُفلح في تحرير لبنان من أراضٍ اعتبرها لبنانية في كفرشوبا ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ليُضاف إليها اليوم النقاط الخمس… فكيف يمكن للحزب أن يستعجل دولة وحكومة عمرهما أشهر لتحمّل تبعات مغامراته وتهوراته على مدى سنوات؟!
أما بخصوص إقامة المقارنات غير المنطقية بين احتجاج الدولة عبر وزير خارجيتها يوسف رجي على مواقف وتصريحات وزير خارجية إيران عباس عراقجي الأخيرة، التي تضمنت بشكل مفضوح تدخلًا مباشرًا في شؤون لبنانية، في لحظة بدء الدولة باستعادة سيادتها، وبين ما اعتبره إعلام حزب الله خضوعًا لإملاءات أميركية، فإن مثل هذه المقارنات باتت ممجوجة وبلا أدنى معنى، لعدة أسباب، أهمها:
أولاً: أن الأميركي هو من يتولى حاليًا شؤون المنطقة، ومن ضمنها لبنان، وبالتالي من الطبيعي والمنطقي جدًا أن يتفاوض لبنان مع الأميركي وينسق معه ما يناسبه وما يضمن حصته من الشرق الأوسط الجديد. بينما إيران، التي تعرّضت لحرب إسرائيلية-أميركية مدمّرة، باتت عاجزة عن لعب أي دور جديد في المنطقة، باستثناء دور التشويش ومحاولة خربطة الأوضاع باتجاه الفوضى والعودة إلى الماضي، سواء في سوريا أو لبنان.
ثانياً: لأن طهران نفسها تفاوض الأميركي على مصيرها ومصير دورها في المنطقة، وبالتالي، إذا كانت إيران نفسها تتفاوض مع الأميركي، وتتواصل معه، وترجو رضاه، ويعتبره إعلام الحزب “شطارة وذكاء ودهاء إيرانيًا”، فلماذا يُعاب على لبنان إذا نسّق مع الأميركي وتفاوض معه؟! ألا يُعدّ ذلك أيضًا دهاء وذكاء، علمًا أن لبنان يتعاطى مع الأميركي على قاعدة النهوض بالبلد والدولة وإيجاد مقومات قوة وإنقاذ، بينما النظام الإيراني يفاوض الأميركي على إنقاذ رأسه!
ثالثاً: أليس إعلام الحزب نفسه من هلّل يوم إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"دولة إسرائيل"، بتدخل ودعم أميركيين مباشرين؟! يومها كانت واشنطن "الأم الحنون"، وكان إعلام الحزب يبارك الاتفاقية ويعتبرها إنجازًا "للمقاومة".
رابعاً: ألم يتوافد المبعوثون الأميركيون تباعًا إلى قصر عين التينة، ومن خلاله إلى الحزب، في جولات تفاوض ونقاش وبحث، من هوكستين إلى أورتيغوس إلى براك، لإيجاد حلول وتسويات؟ أولم يكن الثنائي، وبخاصة الرئيس نبيه بري، داعمًا ومشجعًا ومادحًا للمبعوثين الأميركيين؟ وقد تعمقت العلاقات بينه وبين بعضهم حدّ التماهي في بعض المواقف.
خامساً: ألم يؤكد الرئيس نبيه بري، في أكثر من مناسبة، ومنها منذ يومين فقط، أن الظرف بات ملائمًا لقيام الدولة وحصر السلاح؟ فلماذا لا يُتَّهم بالخضوع للإملاءات الأميركية؟!
لذا، فمن الأفضل لإعلام الحزب توخي الدقة والموضوعية في التطرق إلى مواقف وزير الخارجية يوسف رجي، والتوقف عن المزايدات الرخيصة والتافهة، وبخاصة التوقف عن إقامة المقارنات في كيفية تعاطي لبنان الرسمي مع الأميركي، قائد المنطقة والعالم حتى إشعار آخر، ومقرر مصائر الشعوب، وبين الجمهورية الإسلامية في إيران المنهزمة والمتقهقرة، صاحبة مشروع الفوضى والحروب والدمار على حساب الشباب العربي وشعوب ودول المنطقة.