بين قيصرية تركيا وشمال سوريا…إنتفاضة وتسويات مصيرية وأبواب مشرّعة على المجهول!!

syria-turkey1

 للشعب السوري الحق إذا ما أراد الانتفاضة والثورة مرةً ثانيةً لأن الذي يحصل في مدينة قيصرية (kayseri) التركية ليس بريئاً وليس من قبيل الصدفة، خصوصاً بعدما أظهر تحقيق السلطات التركية أن الفتاة التي اتُّهم الولد السوري بالتحرّش بها هي أيضاً سورية وليست تركية، وبالتالي فإن القلوب التركية “المليانة” من الوجود السوري والهتافات المطالِبة بخروج السوريين من تركيا، والتي أعقبت عدة هجمات غير مبرّرة على بيوت السورييين وسياراتهم ومحالهم وممتلكاتهم في قيصرية، والتي عادت وامتدّت الى مناطق تركية أخرى، كلها جاءت في توقيتٍ يجعل المراقبين يطرحون أكثر من علامات استفهام حول غاياتها وأهداف هذا التوتير ” الأهلي” التركي ضد الوجود السوري.

  • ضغوطٌ سياسية لإنهاء الوجود السوري في تركيا

في هذا السياق، لا بدَّ من التوضيح بأن الذي حصل من أحداث في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، إن دلَّ على شيء فعلى أن ثمة ضغوطاً سياسيةً في تركيا من قبل أحزاب المعارضة وبعض الموالين لإنهاء الوجود السوري في تركيا، فالواقع أن ما سبق وكتبنا عنه ونبّهنا منه منذ أشهر، بدأ يُترجَم على أرض الواقع وفق المشهدية الآتية:
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قرّرَ الانفتاح على رأس النظام السوري بشار الأسد وتسليمه الشمال السوري كاملاً، ما يعني أنه قرّرَ تسليم الأسد الميليشيات والمنظمات المعارِضة السورية التي أنشأتها أنقرة في مرحلة ما من مراحل الثورة السورية في شمال سوريا ما دفع وسيدفع بتلك الميليشيات الى رفض “صفقة البيع ” لرؤوسها، وسيؤدي الى انتفاضة عامة في شمال سوريا بدأت ترتسم ملامحها الميدانية في وقت سبق للرئيس التركي أن قال “إن لا شيء يمكن أن يعيق إعادة العلاقات مع بشار الأسد الى سابق عهدها.

  • مَن سيدفعُ ثمن الاتفاق التركي- السوري؟

لقد سبقَ أن ذكرنا بأن المعارضة السورية الفاشلة تدفعُ اليوم ثمن خطأها التاريخي عندما قبِلت بمنصّة استانا عام 2015 وبيع التراب السوري وتسليم حلب واحتلال عفرين، فالأسد كما الأتراك شاركوا في تفريق السوريين طائفياً ومذهبياً ليسودوا … لكن اليوم انفضحت تلك السياسات بصورة واضحة وجليّة وتمّت الصفقة على “رؤوس السوريين”،
فأنقرة استغلّت قسماً من الأطراف السورية المعارِضة التي غسلت عقولها بالضخّ الإعلامي الكبير( matraquage) ضد الأكراد، لتُدرك لاحقاً أنه سيتمُّ تسليمها الى بشار الأسد كثمنٍ للاتفاق التركي- السوري وإعادة العلاقات التركية مع دمشق.

  • معارضة مبعثرة ومناطق مأدلجة

المعارضة السورية “الأستانية” أدركت اليوم عمق الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته من خلال الوثوق بالغريب بدل القريب السوري في الضفة الأخرى من شرقي الفرات الذي تمّت “أدلجته” على كراهية شركائه في الوطن من عرب وآشوريين وأكراد وسنّة، فبشار الأسد الذي نكّل بشعبه وقتلَ أعداداً كبيرة منه هو نفسه بشار الأسد الذي بات الجميع يريد التطبيع معه بمَن فيهم الرئيس التركي، لكن الكلمة الفصل تبقى بأيدي السوريين الأحرار والشرفاء لا “المأدلَجين” دينياً ومذهبياً، وقد باتوا شتاتاً ميليشياوياً مبعثَراً وشذاذ آفاق.

  • فوضى وفلتان في المناطق السورية الشمالية

أنقرة سحبت موظفيها من الشمال السوري في ظل المواجهات الساخنة التي تدور بين ميليشيات ” فرانكشتاين” والسلطات التركية التي خلقتها، حيث الفوضى والفلتان يدّبان في المناطق الشمالية من سوريا رفضاً لتسليمهم لبشار الأسد ولكن بعد فوات الآوان،
فأنقرة اتّفقت مع دمشق على تسليم عفرين وجرابلس والباب وراس العين وتل أبيض لبشار الأسد، فيما انتفاضة الشمال مرشّحةٌ للاستمرار والتوسّع والتصعيد، لأن الخيارات البديلة هي الموت والتنكيل لدى نظام دمشق لهؤلاء الذين غُرّرَ بهم أثناء الحرب الأهلية وتمَّ استغلالهم من قبل الأطراف الإقليمية ضد الأسد.

  • تفلّتٌ أمني وتصالحٌ صوَري مع المعارضة السورية إن كان من انتفاضةٍ يجب على السوريين الشرفاء الأحرار القيام بها الآن فهي على وجه الخصوص وبالأولوية على المعارضة السورية الفاشلة والخائنة للسوريين التي وضعت يدها بيد المحتلّين الأتراك والإيرانيين والروس والنظام منذ منّصة أستانا وباعوا قدسية تحرير سوريا وتغيير نظامها السياسي.
    ما يحصلُ في الشمال السوري حالياً يجب أن يحفّز أهل السويداء ودرعا على فتح أبوابهم والالتحاق بالثورة المتجدّدة هذه المرة من الشمال، وإلا فإن سوريا مقبلة على التقسيم وفقاً لما تريده إسرائيل ولا تمانعُ به روسيا.
    بالانتظار فليُسجّل أعزاؤنا القرّاء بأن سوريا مقبلة على تطورات كبيرة، حيث أن الشمال السوري بات بابه مشرّعاً أمام  بشار الأسد لدخوله وجمع سلاحه المتفلّت، وللتصالح “الصوَري” مع المعارضة على أن يتم تحويل بعض الميليشيات المعارِضة والتي تدرّبت في تركيا الى فيلقٍ عسكري تحت إشراف روسيا يا سادة …
    وفي المقابل، سيُلغي بشار الأسد الخدمة الإلزامية على مراحل وسيستقبل اللاجئين السوريين من تركيا على أن يُصدِرَ عفواً شاملاً، ثم يبدأ التفاوض مع إسرائيل على حل للجولان المحتل في إطار التوجّه نحو إنهاء العداء بين إسرائيل وسوريا والتفاوض مع شرقي الفرات على إيجاد حل دائم بين قسد (قوات سوريا الديمقراطية ) المكوّنة بنسبة 70% من العرب والآشوريين والسريان والأكراد والمتحالفين مع 72 دولة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي تعمل حالياً على تقوية قسد بالسلاح والتدريبات العسكرية النوعية في معسكرات التحالف الدولي، وقد باتت قوتها توازي قوة الجيش السوري والميليشيات الإيرانية والقوات الروسية مجتمعةً بالتزامن مع تأسيس الأميركيين لقواعد عسكرية في الرقّة في مقرّ الفرقة 17 الشهيرة كما في كوباني ومنبج حيث تعمل واشنطن على ترسيخ وجودها تبعاً لمصالحها الحيوية.
    أما لمَن يسأل عن مصير قانون مكافحة التطبيع مع الأسد فنقول إن إدارة الرئيس جو بايدن المنهمِكة في المعركة الرئاسية الصعبة تغضُّ الطرف قليلاً عنه راهناً إفساحاً في المجال أمام الأسد بالموافقة على المطلوب منه، وإلا فالخيار العسكري يعود للواجهة وتقسيم سوريا كحلٍ أخير .
     إنتفاضة الشمال السوري اذاً أكبر بكثير من قيصرية وما جرى فيها، وهي مؤشر يُنذرُ بانطلاق المرحلة الجديدة لسوريا حيث مصيرها على المحك.
المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: