ترامب وتداعياتُ محاولة اغتياله داخلياً وخارجياً

trump

مما لا شك فيه أنه لم يكن ينقصُ المرشح الرئاسي الأميركي والرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب لزيادة فرص فوزه ثانيةً في انتخابات شهر تشرين الثاني المقبل سوى محاولة اغتياله الأخيرة في ولاية بنسلفانيا يوم السبت الفائت، تلك المحاولة التي شكّلت مفصلاً مصيرياً لحملته الناجحة أصلاً والتي قرّبته أكثر فأكثر من البيت الأبيض.

محاولة اغتيال فاشلة نجحت بتقريب المسافة نحو البيت الأبيض

دعونا نتّفقُ بدايةً أن ما قبل السابع من تموز لن يكون كما بعده، هذا التاريخ الذي لم يحمل معه فقط محاولة الاغتيال بحد ذاتها بقدر ما حملت وتحمل معها سلسلة من التغيّرات والانقلابات في المشهد العام للحملة الانتخابية والتنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين، وأولى طلائع هذه التغييرات تجلّت في المؤتمر العام للحزب الجمهوري الذي كرّس إتحاد جميع الجمهوريين وحتى أشرس المنافسين لترامب وتوحّدهم كلهم خلفه، خلافاً لِما كان عليه الوضع أثناء حملته الانتخابية الرئاسية السابقة، والتي نجح فيها  بالوصول الى البيت الأبيض في ظل انقسامات جمهورية كانت ترى في ترامب رجلاً من خارج ” الإستبليشمانت ” الأميركي الجمهوري ومن خارج الدولة الأميركية، بينما هذه المرة كل الحزب الجمهوري توحّد فانتخبه مرشحاً رسمياً للحزب، الأمر الذي يعطي دفعاً قوياً لحملته هذه المرة ويقرّب كثيراً المسافات باتجاه البيت الأبيض.

لا لديمقراطية العنف في أميركا

في هذا السياق، نشير الى أن المرشح دونالد ترامب ليس فقط مرشحاً قوياً لدى الجمهوريين بل بات يستقطبُ، بعد محاولة اغتياله، جزءاً من الديمقراطيين ومن الرأي العام الأميركي بشكل عام، وذلك انطلاقاً من أن محاولة الاغتيال سبّبت صدمةً لدى هذا الرأي العام الذي بات من الصعب عليه تجاوزها لا سيما وأن ثمة إجماعاً حتى لدى الديمقراطيين بأنه لا يمكن أن تتحوّل الديمقراطية الأميركية الى العنف، وهذا بالذات ما أكّد عليه الرئيس جو بايدن غداة المحاولة، إذ أكّد أن لا مكان للعنف في أميركا ولا يمكن للديمقراطية في الولايات المتحدة أن تسود مع العنف، من هنا يمكن القول إن النتائج السياسية لمحاولة الاغتيال أكثر بكثير مما يمكن تصوّره، لاسيما وأن المرشح الرئيس ترامب كان من داعمي “لوبيات السلاح” في عهده السابق، كما أنه لطالما إعتبر في خطاباته أن الديمقراطيين في سياساتهم وبرامجهم لم يحموا أميركا والأميركيين من العصابات والمهاجرين غير الشرعيين الذين لطالما اعتبرهم ترامب أساس تهديد أمن الولايات المتحدة والشعب الأميركي.

حملات إنتخابية وانفعالات شعبية

هذا النتائج ستُلقي بظلالها على الأشهر الأربعة المقبلة المتبقّية من الحملات الانتخابية وستغيّر في أدبيات خطاب ترامب كما في أدبيات خطاب بايدن المرشح، إذ يُلاحظُ التوافق الذي عبّر عنه المرشحان لناحية وجوب تخفيض لهجة التخاطب والتنافس، والذي لم يقصّر كلا المرشحين خلال الأشهر القليلة الماضية في تسعيرها ورفعها الى مستوى عنيف في التخاطب وصولاً الى التهجّمات الشخصية بينهما، ما ساهم بشكلٍ كبيرٍ في زيادة التوتّر والتشنّج لدى أفراد المجتمع الأميركي الذي لم تكن تنقصه، وهو المسلّح بغالبيته، سوى فتيل الكراهية لاسيما لدى الطبقات الشعبية التي منها انبثق الشاب العشريني توماس ماثيو كروكس المتّهم بمحاولة قتل ترامب، والذي من دون أدنى شكٍّ أعطى نموذجاً لتلك الإنفعالية الشعبية التي حملت الكراهية للمرشح ترامب، والذي تمَّ تصويره من قبل الديمقراطيين بأنه الشيطان الرجيم الذي سيقضي على أميركا وعلى مصالح الأميركيين .

الضحية والعنف المناهض للديمقراطية

الجدير ملاحظته أن محاولة الاغتيال جاءت بعاملين جديدين في ميزان توازن القوة بين الحزبين، لا بل بين المرشح ترامب والنظام الأميركي العام والرأي العام، وهما من جهة إسقاط ملفات قضائية عن المرشح دونالد ترامب، ومن جهة أخرى إقامة نوع من التوازن الاستراتيجي بين اتهام ترامب بالوقوف خلف حادثة مهاجمة الكونغرس يوم 6 كانون الثاني 2021 لإسقاط الديمقراطية ومحاولة اغتياله، إذ سرعان ما أدّت تلك المحاولة الى  مفعولٍ صادمٍ، إن لم يكن  لناحية محو هذا الاتهام أقله للتخفيف من وطأته على قاعدة أن ما اتُّهم به ترامب من عنفٍ وتعنيفٍ وتشجيعٍ على العنف واعتداءٍ على الديمقراطية دفع هو نفسه ثمنه لاحقاً، فأصبح الضحية الأولى لهذا العنف المناهض للديمقراطية، وبالتالي تساوت الحادثتان في الوجدان الأميركي لصالح محو آثار الفعلة الأولى بفعل آثار الفعلة الثانية .

خطابٌ مرنٌ ووحدوي مرتقب لترامب

مهما يكن من أمرٍ، فإن الأنظار تتّجه الى خطاب المرشح ترامب أمام مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي والذي يُتوقّع، بحسب ما قاله ترامب نفسه في مقابلته الأخيرة لصحيفة “واشنطن اكزامينر “،إنه سيكون أكثر مرونةً ووحدوية بمعنى أنه سيركّز، في قسمٍ منه، على وحدة الشعب الأميركي ووحدة أميركا ونبذ العنف، وهو سبق أن قال للصحيفة نفسها إن “محاولة اغتياله جاءت كفرصةٍ لتوحيد البلاد انطلاقاً من أن الهجوم عليه تسبّب بتغيير مسار حملته الانتخابية بالكامل”.

شكوكٌ حول استمرار بايدن بترشحه

يبقى السؤال الكبير حول ما إذا كان نهج المرشح ترامب سيتغيّر في الخطوط العريضة لسياساته الداخلية خصوصاً في الملفات ذات السخونة الكبيرة والتي أسست لتزعمه التيار المتشدّد في مواجهة الديمقراطيين، وأهمها الهجرة والبطالة والأوضاع الاجتماعية والمعيشية المتدهورة للأميركيين، الى جانب قضايا أخرى ذات صلة بالملفات الخارجية كحرب أوكرانيا والشرق الأوسط وإيران …

 كل هذا يأتي في الوقت الذي  تحوم فيه شكوكٌ كبيرة حول استمرار الرئيس جو بايدن في حملته الانتخابية مع تصاعد الضغوط عليه من معسكره الديمقراطي وأقرب المقرّبين اليه، الداعين الى انسحابه من السباق لصالح مرشح آخر، سواء نائبته كمالا هاريس أو أي مرشح أو مرشحة أخرى، بعدما راكمَ بايدن الهفوات والأخطاء وزلات اللسان، التي إن دلّت على شيء فعلى عدم قدرته على حكم الولايات المتحدة الأميركية، عدم قدرته على إقناع الديمقراطيين والرأي العام الأميركي بشخصه وقدراته الذاتية لمنافسة خصم قوي بحجم المرشح دونالد ترامب، وقد كرّست استطلاعات الرأي الأخيرة تفوّق الأخير عليه بنقاط كبيرة.

ختاماً، لا ننسى أنه من خلال ما يحصل في الولايات المتحدة حالياً يتقرّرُ جانبٌ كبيرٌ من ملفات ليس فقط في الداخل الأميركي بل وأيضاً مصير ملفات العالم والنقاط الساخنة منه.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: