كتب أنطوان سلمون: انطلاقاً من اسبوع التفاؤل والأمل والرجاء بلبنان أفضل، والذي لمسه اللبنانيون، من جميع الطوائف والأطياف والأحزاب والجمعيات والاتحادات والنوادي والشخصيات، بانتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية وتكليف رئيس محكمة العدل الدولية السفير القاضي نواف سلام رئيس للحكومة، صدم الجميع بموقف الثنائي، الخارج عن التوافق والاجماع والالتفاف حول دولتهم وشرعيتها، ليكون هذا الموقف كالبقعة السوداء في وسط الثوب الناصع البياض.
بعد تجرعه لسمّ كأس انتخاب قائد الجيش اللبناني تحت حجة "صفقة" و"ضمانات" و"تطمينات"، وضع الثنائي وفلول نظام الأسد الهارب نصب أعينهم موقع رئاسة الحكومة لعلّه يعوّض ما أرغم عليه على مضض في جلسة التاسع من كانون الثاني 2025 وعساه يعرقل ويكبّل ويعطّل خارطة طريق السيادة وبسط سلطة الدولة وحدها على كامل أراضيها واحتكارها للسلاح ووقف التهريب وتجارة المخدرات وتبييض الأموال والتي عرضها الرئيس المنتخب وتعهد بها في خطاب قسمه على الدستور.
لم تكن ردة الفعل المهددة المتوعدة بعد سقوط مرشّح "دويلة" الثنائي بمستغربة او غير متوقعة، خاصة مع تسمية السفير القاضي نواف سلام بدلاً عن مَن تملّق الحزب وسلاحه على حساب السيادة والقانون والدستور منذ انقلاب القمصان السود في العام 2011 وصولاً الى اعلان ترحيله مع اعلان النائب سامي الجميل تأييد كتلته ذات الأربعة نواب ووصول عدد مؤيدي سلام الى 68 نائب.
ربّ متسائل كيف للحزب الذي ورّط لبنان وبيئته بحرب اسناد للمدينة الفلسطينية غزة، ولبّى نداء حماس بوحدة الساحات تحت الراية الايرانية مقدّما الشهداء اللبنانيين "على طريق القدس"، ان يناصب العداء لنواف سلام وهو من بدأ نضاله في سبيل القضية الفلسطينية مقاتلاً الاسرائيلي ومن أرض الجنوب تحديداً حتى قبل عودة الامام الخميني في العام 1979 من باريس الى طهران وطبعاً قبل تأسيس حزب ايران في لبنان والذي سمي لاحقاً "الثورة الاسلامية في لبنان" والمقاومة الاسلامية في لبنان" واستمر في نضاله ودفاعه عن القضية الفلسطينية ومناهضته لإسرائيل لدى توليه وترؤسه لبعثة لبنان في الامم المتحدة وأخيراً في منصبه في محكمة العدل الدولية منذ شباط 2024.
على الرغم من السيرة النضالية القتالية الدبلوماسية القضائية في مؤازرة ومساندة القضية الفلسطينية بوجه الاسرائيليين ناصب الحزب سلام العداء وعارض وصوله الى رئاسة الحكومة في محطات عديدة بالتوازي مع هجمات شنها الاسرائيليون واعلامهم على نواف سلام ودوره في الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية... ففي 18 كانون الأول 2019، نقل عن مصادر الثنائي الشيعي ان "نوّاف سلام مشروع أميركي ١٠٠٪، ومشروع فتنة معادي للمقاومة" وفي 24 أيلول 2020 كشفت صحيفة الأخبار عن "لا جازمة من حزب الله وحركة أمل لمرشّح المواجهة ومرشّح واشنطن نوّاف سلام، ومواقفه تُصوّب على المقاومة"، ونقلت صحيفة الشرق الأوسط في 27 ايلول 2020 "فيتو من حزب الله بوجه نوّاف سلام" كما اعتبرت صحيفة البناء الناطقة باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي في 22 حزيران 2022 ان "ترشيح سلام هو تعبير عن كلمة سر مواجهة مع المقاومة، رفض تطبيع العلاقة مع المقاومة، ترشيحه تحدّي للمقاومة وحزب الله، وتكليفه يأتي على خلفية الانتقام".
لم تمنع اتهامات الحزب "التخوينية" لنواف سلام المتجاهلة لنضالاته مع القضية الفلسطينية ومواجهاته للاحتلال والانتهاكات الاسرائيلية، الثنائي امل حزب الله من الموافقة والترويج والضغط باتجاه تحقيق ما عرفت في العام 2023 بـ"المبادرة الفرنسية" والتي طرحت انتخاب مرشح الثنائي سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية اللبنانية مقابل تسمية "حامل مشروع الفتنة الأميركي الإسرائيلي" و"المصوِّب على المقاومة" و"المواجِه لها" السفير القاضي نواف سلام.
يضاف الى ما رأيناه من تقاطع بين اسرائيل والحزب على رفض ومواجهة نواف سلام أداء الحزب المستمر المتمادي في وهب الهدايا والعطايا للعدو الاسرائيلي من انخراطه في معركة الاسناد وانكشافه ولبنان امام الجرائم الاسرائيلية واغتيال قادة الحزب وتدمير بناه التحتية والفوقية وصولاً الى اقراره بتوقيعه على اتفاق اذعانه للثنائي الأميركي الإسرائيلي وحذف نفسه من المواجهة بسحب سلاحه ومسلحيه "بدءاً من جنوب الليطاني".
مما تقدم وللتعبير عما آلت اليه تناقضات الحزب في سبيل تعميم باطله وبالقوة والخديعة كأنه حق لن نجد أفضل الآية 81 من سورة الاسراء في القرآن الكريم "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا".