لبنان الغارق في الأزمات يعيد ترتيب أوراقه وسط تقاطع مصالح مثير للانتباه بين ثلاث قوى فاعلة: مجموعة “كلنا إرادة”، صندوق النقد الدولي، والثنائي الشيعي، وتحديدًا “حزب الله”. ما كان يومًا مستحيلًا يبدو اليوم ممكنًا مع ما يُحكى عن قبول الرئيس المكلف بتسليم وزارة المالية من جديد لنفس الفريق الذي قاد البلاد إلى الأزمة، ولكن بشروط جديدة تحت ستار “الإصلاح” المفروض دوليًا.
تحول حزب الله وقبول الشروط الدولية
“حزب الله”، الذي كان يعارض بشراسة التدخلات الدولية وخصوصًا توصيات صندوق النقد الدولي، يبدو اليوم في موقع القبول بهذه الشروط، وأبرزها شطب جزء كبير من أموال المودعين. هذا التحول قد لا يكون تراجعًا عن مواقفه الأيديولوجية بقدر ما هو مناورة سياسية للحفاظ على موقعه في السلطة. فالثنائي الشيعي يواجه اليوم واقعًا يفرض التكيف مع المعادلات الدولية، حتى لو تطلب ذلك التضحية بمطالب الشارع اللبناني وحماية الودائع.
مجموعة “كلنا إرادة”
المجموعة التي يُعتبر نواف سلام مقربًا جداً منها، تشكل جزءًا من ديناميكية سياسية تتقاطع مع أهداف البنك الدولي من حيث الدفع نحو إصلاحات جذرية تشمل إعادة هيكلة القطاع المالي. وبينما تحمل شعارات الحوكمة والمساءلة، فإن تنفيذها العملي قد يكون على حساب شريحة واسعة من المودعين اللبنانيين، ما يعزز التساؤلات حول طبيعة هذا “الإصلاح” ومن المستفيد منه.
ثمن السلطة باهظ
قبول الثنائي بشروط إعادة هيكلة القطاع المالي، بما في ذلك شطب جزء كبير من أموال المودعين، يعكس استعدادًا للتضحية بكل ما هو ضروري طالما يضمن بقاءه بصورة القوي في السلطة. لكن السؤال المطروح: إذا كان الثنائي مستعدًا لتقديم هذا التنازل الكبير، فهل يعني ذلك أننا أمام صفقة تضمن لهم دورًا مركزيًا في أي حكومة قادمة، حتى لو جاء ذلك على حساب الشعب الذي يتكبد الخسائر؟
في النهاية، إذا كان الإصلاح هو الوجه الظاهر لهذه الصفقة، فإن ما يجري في الكواليس لا يعدو كونه استمرارًا لنهج تدميري مقنّع. الرئيس المكلف يناور على حساب أموال اللبنانيين، مستترًا بشعارات إصلاحية كان يُفترض أن تُنقذ البلاد، لكنها اليوم تدفن ما تبقى من ثقة الشعب بدولته.