توأمة لبنان وسوريا في الحسابات الجيوسياسية أميركياً

lebanon-syria

سجلت الأيام القليلة الماضية تطورين على جانب كبير من الأهمية، يساهمان في رسم معالم الوضعية الجيوسياسية لكل من لبنان وسوريا معاً.

في لبنان، طالت الاعتداءات الإسرائيلية منطقة الأولي بقصف لأول مرة تجاوز الليطاني، فيما اعتُبر استهداف الاولي على نفس الخط الاستراتيجي العسكري مع جبل الشيخ وجنوب سوريا. وهنا التطور الثاني: سوريا، قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة جنوب سوريا من دون أي استئذان، بما اعتُبر رسالة متعددة التوجهات.

أولاً، أميركياً، حيث يريد نتنياهو الاحتفاظ بحرية سياسية وعسكرية في جنوب سوريا إلى حين إبرام اتفاقية أمنية ومعاهدة سلام مع الرئيس أحمد الشرع، خاصة بعد التقدم الديبلوماسي والسياسي الكبير الذي تحقق خلال زيارة الرئيس الشرع لواشنطن، ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعمة له، ما أثار ويثير قلق نتنياهو، الذي لم يتردد في آخر تصريحاته من انتقاد ثقة الرئيس السوري الكبيرة بنفسه.

ومن هنا، الرسالة الثانية لزيارته جنوب سوريا: إفهام الرئيس الشرع أن هذه الثقة العالية لا تؤثر على ما يريد نتنياهو من دمشق، وعلى قيام إسرائيل بكل ما تراه مناسباً لضمان أمنها القومي.

واشنطن قررت إنشاء قاعدة عسكرية متقدمة في جنوب دمشق لتدريب الجيش السوري الجديد أولاً، ووضع رجلها بحزم في قلب المعادلة السورية الميدانية، بحيث تسعى واشنطن من خلال تلك الخطوة إلى تكريس ثلاثة أمور في خطوة واحدة:


أولاً: تثبيت أجواء تحضيرية ضامنة لأي اتفاق أمني أو أكثر مستقبلاً بين سوريا وإسرائيل ووقف اعتداءات إسرائيل على الأراضي السورية.


ثانياً: قطع الطريق نهائياً أمام إيران وفلولها من حزب الله وسواهم أمام محاولات عودتها إلى سوريا للعب أي دور سياسي أو أمني.


ثالثاً: تحجيم النفوذ الروسي في سوريا، وهذا الذي "تدوزنه" واشنطن لعدم تمكين الروس الموجودين في سوريا برضى أميركي، للموازنة مع التأثير التركي من تصاعد تأثيرهم على المشهد السوري، الذي من الواضح أنه يتجه وفق البوصلة الأميركية أكثر فأكثر، على خريطة طريق مرسومة سلفاً في البيت الأبيض.

فانطلاقاً من مجمل هذه الحسابات والتطورات، يبرز موقف الرئيس دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي من المكتب البيضاوي منذ أيام قليلة، عندما أبدى غربته في دعوة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى واشنطن.

أوساط ديبلوماسية غربية متابعة للشأن اللبناني اعتبرت أن هذه الدعوة، إذا تمت، فسوف تكون محكومة بحدين:


الحد الأول: الضغط على الرئيس اللبناني للتسريع في إنهاء سلاح حزب الله، بعدما بات من الواضح أن "الصبر الأميركي نفد" أو يكاد يبدأ بالنفاد، باعتبار أنه في سياسات واشنطن، وبعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وإبداء استعداده للتطبيع وزيارة الرئيس السوري قبله لواشنطن، لم يعد بالإمكان أميركياً أن يبقى لبنان متخبطاً ومتردداً وخائفاً من حسم ملف السلاح.


والحد الآخر: دخول لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، تفضي إلى انسحاب إسرائيل من لبنان بعد توقيع اتفاقية أمنية (على غرار النسق السوري)، تمهيداً لاتفاقية سلام، وفق خطة الطريق التي أعلن عنها سابقاً السيناتور ليندسي غراهام: سحب السلاح مقابل استرداد لبنان 16 أسيراً، ومن ثم انسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها، في مقابل اتفاقية أمنية، ومن ثم اتفاقية سلام بين البلدين، بما يؤكد أن البند الأول قبل أي بحث في واشنطن مع الرئيس عون سيتركز أولاً على إنجاز سحب السلاح وما لدى الرئيس عون لتقديمه للأميركيين، وليس ما لدى ترامب ليقدمه للرئيس اللبناني، فالكرة في ملعب لبنان.

من هنا، فإن زيارة الرئيس اللبناني تأتي في سياق المهلة المعطاة للبنان حتى نهاية العام الحالي للتخلص من السلاح غير الشرعي، وإلا فإن واشنطن أعدت خطة إطباق على حزب الله من الجنوب مع إسرائيل، ومع الرئيس الشرع من الشرق والشمال، فيما يمكن تسميتها هكذا: الحزب الذي يستشعر خطر القادم عليه من الأيام، فيبدأ بالتنازل والبيع والشراء في أوراق يملكها، وأولها نوح زعيتر، المطلوب ليس لبنانياً فحسب، بل وأيضاً أميركياً ودولياً.

فلبنان وسوريا مجدداً أمام وحدة مسار جيوسياسي أميركي صارم هذه المرة، وعلى نفس سرعة العجلات، لأن الطبخة الإقليمية الدولية نضجت، وأمام واشنطن تحديات إقليمية ودولية داهمة، ليس أقلها الملف الروسي الأوكراني، ولأن المملكة العربية السعودية تسلمت من الولايات المتحدة الأميركية مفاتيح السلام والتنمية والاستثمارات… فتوأمة الملفين اللبناني والسوري تساعد الرعاة على إنجازهما معاً.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: