فيما كان اللبنانيون يترقّبون بعض الانفراجات خرجت إلى العلن معلومات أمنية خطيرة تكشف أن لبنان لم يكن فقط ساحة صراع بل كان مصنعًا علنيًا للتصعيد الأمني الإقليمي.
في نشرات الاخبار مساء أمس، ورد أن الجانب الأردني أبلغ رسميًا السلطات اللبنانية بأن أفراد الخلية التي تم توقيفها على أراضيه تلقّوا تدريباتهم العسكرية في لبنان على يد حركة “حماس”. واللافت في هذا السياق أن المعلومة ليست معزولة عن الوقائع التي شهدها الجنوب مؤخرًا، حيث أعلنت مديرية المخابرات اللبنانية توقيف أفراد المجموعة التي أطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل في عمليتين بتاريخ ٢٢ و٢٨ آذار الماضي.
بيان الجيش أوضح أن الخليّة تضم لبنانيين وفلسطينيين، وأن العملية الأمنية أدت إلى توقيف عدد منهم وضبط الآليات والمعدات المستخدمة، فيما كشفت وكالة الصحافة الفرنسية أن ثلاثة من الموقوفين يتبعون لحركة “حماس”. أما قناة “ال بي سي” فقد كشفت أن التطابق بين بصمات أحد الموقوفين وبصمات رُفعت عن أحد الصواريخ قاد إلى مداهمات أفضت إلى كشف الشبكة.
السؤال الأهم اليوم: هل من عاقل يمكن أن يصدّق أن حركة “حماس” موجودة وتُدرّب وتتحرك على الأراضي اللبنانية من دون علم وموافقة حزب الله؟ وهل من المنطقي الاعتقاد بأن “وحدة الساحات”، هذه العبارة التي كرّرها إعلام الحزب ليل نهار، مورست في لبنان من دون شراكة تنظيمية ولوجستية مع الحزب الذي يُمسك فعليًا بالقرار الأمني في الجنوب؟
ما يجري اليوم ليس تسطيرًا جديدًا لفصول المقاومة، بل زجّ متواصل بلبنان في صراعات إقليمية لا قرار له فيها ولا مصلحة، فيما تتحوّل أراضيه إلى قاعدة انطلاق لصراعات الآخرين، وإلى ساحة لتصفية الرسائل والرسائل المضادة، وكل ذلك تحت عنوان “وحدة الساحات” التي باتت فعليًا “وحدة المهاويك” التي يُدفع ثمنها من دماء اللبنانيين واستقرارهم.
إنّ ما كُشف ليس تفصيلاً. فأن يتحول لبنان إلى حاضنة لتدريبات خلية خطّطت لهجمات أمنية في دولة عربية شقيقة، فهذا يعني أن لبنان بات رسميًا مصدر تهديد لجيرانه، وأن سلاح حزب الله خرج تمامًا عن سرديّات “الوهم”، ليصير أداة في خدمة أجندات تتجاوز حدود خطابه السياسي إلى عمق النزاع الإقليمي والدولي.
اللبنانيون لا يريدون أن يكون بلدهم رأس حربة في محور لا يشبههم، ولا أن يتحوّل الجنوب إلى ساحة لتصفية حسابات إيران عبر حلفائها. ما جرى جريمة متكاملة الأركان في حق السيادة اللبنانية، وهذا تأكيد على ان حزب الله هو من يمنع الدولة من بسط سلطتها، وهو من يحمي حماس في لبنان، وهو من ومن يربط مصير لبنان بحروب لا يملك حتى حق الاعتراض عليها تحقيقًا لمآرب إيران التفاوضية مع الولايات المتحدة.
فعلى لبنان الرسمي أن يتحرّك بوتيرة أسرع، والا فسيأتي الغد الذي نُدفن فيه جميعًا تحت ركام الاجندات التي لا تشبهنا، والتي تفرّط بما تبقى من وطن.