حقائق في الكيانية اللبنانية

Lebanon

في خضمّ ما يُحكى ويُشاع باطلًا عن لبنان الكيان، ومصير هذا الكيان، وإلحاقه بسوريا الكبرى وسواها من تلك الهرطقات الفكرية والسياسية والدعائية، دعونا نعود ونؤكّد حقائق تاريخية وسياسية كما يلي:

ثمة مخططات وخرائط وُضعت منذ السبعينات لتفكيك المنطقة، وترك الموضوع الفلسطيني من دون دولة، وتفكيك لبنان وسوريا والعراق إلى كيانات طائفية ومذهبية متقاتلة.

للجهلة نذكّر بأن اتفاقية سايكس-بيكو كانت اتفاقية توزيع مناطق نفوذ، وليست اتفاقًا لترسيم حدود دول. وهي أساسًا لم تُطبّق، وتم لاحقًا تعديلها بأخذ الموصل للإنكليز من الفرنسيين، وضمّ فلسطين، التي كانت من المفترض أن تكون منطقة دولية، إلى الحصّة الإنكليزية.

خلال مؤتمر سان ريمو ومؤتمر لوزان تحديدًا، أقرت السلطنة العثمانية بهزيمتها وتخلّت بالتالي عن المناطق العربية.

"بلاد الشام" مصطلح جغرافي لا سياسي. فلا دولة اسمها بلاد الشام، ولا دولة اسمها سوريا قبل الانتداب الفرنسي. فكانت المنطقة حينها تتكوّن من ولايات، كولاية طرابلس التي امتدّت من كسروان إلى اللاذقية (فهل يعني ذلك أن للبنان حصة في أراضي سوريا؟)، وكذلك ولاية بيروت التي امتدّت من فلسطين إلى اللاذقية، وولاية دمشق التي امتدّت إلى البقاع. فلا دولة اسمها سوريا.

عند إعلان دولة لبنان عام 1920، كانت هناك أربع "دول" على أرض سوريا: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين، ودولة الدروز. وبالتالي، لم تكن هناك دولة سوريا بالمعنيين الجيوسياسي والدولتي. ومن هنا، فإن لبنان ليس لا خطأ تاريخيًا وجغرافيًا، ولا نتاج سايكس-بيكو، علمًا بأن لدى بعض القيادات السورية كانت هناك أطماع تاريخية غير مبرّرة بضم لبنان، حتى ما قبل عهد آل الأسد.

في بروتوكول الإسكندرية، وقبل إنشاء جامعة الدول العربية، وافقت سوريا على سيادة واستقلال لبنان ضمن حدوده الدولية عام 1943.

من خطط يومًا لمستقبل المنطقة، كالمفكر الأميركي برنارد لويس، كانوا يشكّكون في حدود دول المنطقة، لكونها مبنيّة على الانتماءات الطائفية والإثنية. وقد قدّم لبنان، كما سوريا لاحقًا، نموذجًا لقابلية التفكك. لكن، في الوقت عينه، كانت طبيعة الشعوب الميّالة للتعايش والتفاعل مع بعضها تشكّل عقبة أمام التفتيت، حتى مطلع القرن الحالي. لذا، كما في لبنان، كذلك في سوريا، على الدولة أن تأخذ بالاعتبار التعددية الثقافية والحضارية والوجودية لدى الشعبين، وبخاصة الشعب اللبناني.

كان للبنان وضع دستوري ونظام سياسي خاص في العهد العثماني ومع المتصرفين. وقد كان لبنان السبّاق في التمتّع بكيان شبه دولتي معترف به من السلطنة العثمانية، بالنظر إلى خصوصيّته الحضارية والتاريخية والطائفية، خلافًا لكل محيطه. فقد مرّ من نظام القائمقاميتين إلى نظام المتصرفية في جبل لبنان، بمتصرف مسيحي ومجلس إدارة مكوّن من ممثلي مكوّنات المجتمع السياسي اللبناني، مما أتاح له وجود تنظيم داخلي وإدارة مستقلّة.

بعدما كان السنّة اللبنانيون ينادون بالالتحاق بالعمق العربي السنّي في المحيط، ولا يقرّون بنهائية الكيان اللبناني، باتوا اليوم أكثر تمسّكًا بلبنان أولًا، وهم أكثر تعصّبًا للكيان والهوية اللبنانية. حاليًا، السنّة هم من أكثر المدافعين عن لبنان، فيما الدروز كذلك قاتلوا من أجل الاستقلال عن الدولة العثمانية، التي استغرقت في احتلالها ذُهاء أكثر من 400 سنة.

لبنان حمى حرية كل الطوائف، في حين كان هناك دائمًا صراع بين البدو والدروز في سوريا تاريخيًا؛ إذ كان البدو في أغلب الأحيان يحاولون السطو على خيرات الدروز... فيما كان الدروز منقسمين بين ولاء عربي وآخر إسرائيلي.

انطلاقًا من كل هذه الوقائع والحقائق العلمية، فشلت مقولة برنارد لويس بأن الحدود تُرسم بالدم. إذ إن الحقيقة اللبنانية يصعب كثيرًا تجاوزها. فعراقة الوجود اللبناني ككيان وهوية وحقيقة وجودية، أكبر بكثير من أن يُبتلع بشطبة قلم، أو بتصريح، أو حتى بتلميح...

لكن، تبقى لمصالح الأمم كلمتها، إنما ليس إذا كانت الشعوب موحّدة حول أوطانها ودولها وتاريخها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: