حقوق “عسيرة الهضم” بين ترامب ونواف سلام

trump

كتب أنطوان سلمون:

صدق رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو حين اعتبر ما أفشاه رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأميركية عن مصير غزة والغزاويين وفلسطين والفلسطينيين، انه من “خارج الصندوق”، اذ انه خرج عن المألوف المعروف حول حق الفلسطينيين في تحقيق مصيرهم في دولتهم المستقلة بغض النظر عن الحجم او المساحة.

صدق كذلك اصحاب الارض والحقوق الفلسطينية والمؤيدون لقضيتهم في مشارق الارض ومغاربها،في اعتبار كلام ترامب خرقاً للمواثيق والمعاهدات الدولية والانسانية.

 لم يكن ما قيل في واشنطن ومن خارج الصندوق خارجاً عن سياق عرفه اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة وما زالوا من افتئاتٍ على حقوقهم وتهديد لوجودهم ومصيرهم.

كم يتشابه ما قاله ترامب عن “تفريغ غزة” من أهلها ومواطنيها وترحيلهم الى مشارق الأرض كالأردن ومصر ما نقله جو توتنجي شقيق زوجة الرئيس الشهيد بشير الجميل اذ قال: “في 7 أيار 1976 إجتمع دين براون السفير الأميركي بالرئيس سليمان فرنجية ومن ثم بأعضاء الجبهة اللبنانية… اللقاء مع الرئيس فرنجية كان عاصفاً كذلك مع أعضاء الجبهة اللبنانية حيث اضطر السفير الأميركي عندها الى طرح مشروع تأمين خروج المسيحيين من لبنان بحماية أميركية”.

بعد 48 ساعة طلب بشير الجميّل الإجتماع بالسفير الأميركي والسفير الفرنسي بنادي اليخوت الكسليك بحضور الأباتي بولس نعمان. وشاءت الظروف أن أكون موجوداً (جو توتنجي) حيث دعاني بشير للحضور. لم يدم الإجتماع طويلاً حيث أراد بشير أن يبلغ الأميركيين من موقفه تجاه العرض الذي قدّمه السفير براون بخروج المسيحيين بحماية أميركية.

فور جلوس السفيرين والأباتي نعمان، بادر بشير بالقول للسفيرين: “سأكون مباشراً ومختصراً، وأردت أن يحضر السفير الفرنسي والأباتي نعمان ليكونا شاهدين على ما أقول. إنكم تقترحون يا سعادة السفير علينا إنقاذاً للمسيحيين، أن نغادر لبنان بحماية أميركية وأنكم مستعدون لإستقبالنا في أوروبا وأميركا. يا سعادة السفير، لبنان الذي عمره ستة آلاف سنة في التاريخ لن نغادره بهذه السهولة. فأجدادنا وشهداؤنا الذين سبقونا في محاربة جميع الجحافل والجيوش التي مرت على لبنان، مجبولة دماؤهم في هذه الأرض. وبالتالي، انتم تحاولون اليوم حل المشكلة الفلسطينية على حسابنا، وإعطاء حق للفلسطينيين بالاستيطان في لبنان، حتى تتوقف الأعمال الإرهابية التي يقومون بها في العالم. إني أنبّهكم يا سعادة السفير وأحذّركم، من أن المسيحيين الذين تقترحون تسفيرهم الى الخارج، سيتحوّل كل واحد منهم الى قنبلة موقوتة في شوارعكم ومطاراتكم ومطاعمكم وستترّحمون على الفلسطينيين وأعمالهم العدوانية، وسنحوّل أوروبا وأميركا الى جحيم. أَبلِغ حكومتك أننا نرفض العرض، وسندافع عن أرضنا وأهلنا حتى الرمق الأخير. هذا وطننا ولن نتخلى عنه وحقّنا أن نعيش فيه بحريّة”.

يومها كان الكثير من الذين اعترضوا اليوم على مقاربة ترامب بترحيل الغزاويين الفلسطينيين مع مقاربة دين براون لترحيل المسيحيين واقامة الوطن الفلسطيني البديل انطلاقا من قول الزعيم في حركة فتح ابو أياد في 23 أيار 1976: “ان شهداء الثورة الفلسطينية الذين قتلوا في عيون السيمان وعينطورة وصنين، انما سقطوا ﻻن طريق فلسطين ﻻ يمكن ان تمر اﻻ في عيون السيمان وجونية”.. وفي الفترة ذاتها كان اشدّ الداعمين للقضية الفلسطينية وللحركات اليسارية والوطنية المتحالفة العقيد الليبي معمر القذافي يكشف “احتراما للحقوق” و”من خارج الصندوق” شبيه بـ”احترام” ترامب ودين براون وابو اياد بقوله امام وفد صحافي لبناني برئاسة النقيب الراحل رياض طه في 29 آب 1975 قائلا: “الموارنة، ما هذا؟ المسيحيون في لبنان سيّما الموارنة، أمامهم حلّان لا ثالث لهما، إما أن يعتنقوا الإسلام وإما ان يتنازلوا عن الحكم للمسلمين ويخضعوا لحكم إسلامي عربي”.

لم تختلف نوايا ترامب تجاه الفلسطينيين عن نوايا حزب الجمهورية الاسلامية في لبنان تجاه المسيحيين اذ يعتبر امينه العام الراحل “ان كسروان وجبيل هي اراضي المسلمين واتاها المسيحيون غزاة وزرعتهم الدولة البيزنطية ليكونوا شوكة في خاصرة المسلمين”، لذلك وحسب المنطق الترامبي والبراوني والفتحي والقذافي وجب نزع هذه الشوكة”، وعلى هذا أكد خليفة نصرالله الشيخ نعيم قاسم قبل ان يخلفه بقوله في 11 أيلول 2021: “هذا هو لبنان الذي نريده، من أراد التحق به ‏ومن لم يرد فليبحث عن حل آخر”.

في تعبير ملطف شبيه بما دعا اليه المذكورون أعلاه من هاضمي الحقوق يقول رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي “الساقط بوجه المكلّف” نواف سلام، في 4 أيار 2024: “بالاتفاق مع الاتحاد الاوروبي ومع انضمام لبنان إلى القانون الذي يشمل الدول المستضيفة للنازحين السوريين، سيُفتح المجال أمام اللبنانيين بأن يذهبوا هجرة موسمية إلى دول الاتحاد الاوروبي للعمل هناك موسميًا”.. وهذه المرّة لصالح النازحين السوريين على حساب أصحاب الأرض اللبنانيين “ولو موسميا”.

قرأ الكثيرون وسمعوا كيف دافع المتحمسون للقاضي نواف سلام عن اختيارهم له ثم تكليفه لرئاسة الحكومة كونه “يساري الهوى” مدافع ومقاتل شرس في صفوف الفصائل الفلسطينية دفاعاً عن القضية الفلسطينية في الميدان العسكري والدبلوماسي والقضائي الجنائي الدولي…

لا يخفى على أحد أيضاً تلاشي الامال التي عقدت على المكلّف نواف سلام بعيد ايام على التكليف وخاصة عند المسيحيين “قواتٍ” كانوا ام “عونيين” مستقلين كانوا ام حزبيين، أمام ما لمسوه من محاولة أخرى من المحاولات السابقة لاحباطهم واسقاطهم وتيئيسهم واحراجهم لإخراجهم، مقابل “تغنيج” و”تدليل” وتمكين من أمعن بالوطن والمسيحيين قتلاً وتنكيلاً واضطهاداً وابعاداً واستبعاداً، في نسخة يسارية قومية عربية ناصرية غير منقحة عن “وصفات” ترامب ودين براون والقذافي وابو اياد ونصرالله وقاسم وميقاتي.

والى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً بما يتناسب مع خطاب القسم للرئيس جوزاف عون والمعايير التي أطلقها الرئيس المكلف المخالف لها، حتى الآن من الضروري الاشارة الى ما سبق فشله من مخططات ذكرت في سياق المقال ليتجنب الرئيس المكلف تجريب المجرّب وخاصة مع ابناء مدرسة البشير الذي قال في يوم الوعد تاريخ في 22 تشرين الثاني 1980: “نحن الثابتون في لبنان والشرق، غيرنا يأتي حينًا ويذهب حينًا آخر. صحيح ان امتداد وجودنا ليس مستقرًا جغرافيًا، لكن وجودنا في حد ذاته دائم الاستقرار. نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه، نحن صليبه وحربته، نحن نوره وناره، قادرون على احراقه ان احرقوا اصابعنا، وقادرون على انارته ان تركونا على حريتنا. فحذار من أي حل لقضية لبنان وأزمة المنطقة لا يأخذ بعين الاعتبار ثوابت تاريخ المنطقة وافرازات حرب لبنان”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: