حماس الليل ويأس الصباح.. سردة في "الدورة" على الرد الإيراني

Irani strikes

تحمّس أحمد مناسفة للرد الإيراني على إسرائيل أكثر من إيران نفسها على الأرجح. أيقظ الرجل الخمسيني أطفاله الأربعة من نومهم، و"خاطر" بوضع الكوفية الفلسطينية على شباكه الوحيد الذي يطل على طريق فرعي في منطقة الدورة في الضاحية الشمالية من بيروت.

وبسبب عمله الطويل كناطور لبضعة مبانٍ شبه متهالكة في الشارع الذي يعيش فيه، يعلم أحمد أن المنطقة التي يسكنها لا تهتم جداً بأعمال "محور المقاومة"، وربما لا تهتم بفلسطين حتى. ففي هذا الشارع الواقع بين الدورة وبرج حمود، يسود الفقر والحاجة لتأمين سبُل العيش على كل القضايا الكبرى.

ليلة السبت، أطلقت طهران حوالي 185 طائرة مسيرة و36 صاروخ "كروز" و110 صاروخ أرض – أرض حسب صحيفة "نيويورك تايمز"، مستشهدة بمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، وذلك رداً على استهداف قنصلية طهران في العاصمة السورية دمشق، حيث سقط 16 شخصاً بينهم محمد رضا زاهدي القائد الكبير في "فيلق القدس"، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

انتظر أحمد الفلسطيني اللاجئ في لبنان وغيره كثر في العالم العربي وصول ولو جزء من هذه الصواريخ إلى إسرائيل، إلا أن أياً منها لم يصل، بعدما أسقِطت فوق العراق والأردن وسوريا. بقي الرجل الفلسطيني مستيقظاً طوال الليل، وحوله أطفاله الذين يخفت صوتهم لفترة ثم يعودون للاستيقاظ وإثارة الضجة وإزعاج الجيران. ربما أراد تعليمهم عن القضية الفلسطينية كأنهم في مدرسة ليلية، أو ربما أراد من يسليه، في انتظار وقوع الصواريخ وتدميرها تل أبيب، والاستمتاع بمشاهد الدمار المباشرة على شاشته الصغيرة. إلا أن الأكيد، أن الأطفال الأربعة ناموا كثيراً في اليوم التالي، ولم يذهبوا إلى مدرستهم المجانية التي تديرها منظمات دولية كبقية الأطفال.

وبحسب ما نقله الشارع الضيق ظهر الأحد، فإن ما أثار استياء أحمد أكثر من الهجوم الإيراني الفاشل نفسه، كان اللامبالاة التي لاحظها في مجتمعه المحلي تجاه القضية الفلسطينية. فقد كان يأمل، حسبما أسرّ لأحد جيرانه صباحاً، أن يشكّل هذا الحدث تحولاً في تفكير الناس حول القضية، ولكن بدلاً من ذلك، كانت ردود الفعل متفاوتة، مما أضاع جزءاً من حماسه وتفاؤله.

الرد الإيراني الباهت، بدلاً من أن يُعطي دفعاً للمؤمنين بالقضية الفلسطينية، كان له تأثيراً معاكساً. فقد ساهم في الرفع من مكانة إيران كقوة إقليمية يمكنها المخاطرة ومحاولة فعل شيء خارج عن المألوف، إلا أن فشل الهجوم أثبت أن خلاص فلسطين لن يكون في أي وقت قريب، طالما أن القوة الأكبر المناوئة لإسرائيل لم تستطع بعد أن تمتلك القدرة على إيصال صواريخها وطائراتها إلى الأجواء الإسرائيلية.

يواصل أحمد عمله كناطور لبعض المباني، منتظراً حصول تطور جديد يعطيه أملاً للبقاء مستيقظاً لليلة جديدة، فتؤنسه الأحداث في وحدته وتدفعه لوضع الكوفية الفلسطينية مرة أخرى على شباكه الوحيد. سينتظر أحمد، على الأرجح، وقتاً طويلاً. تماماً كما سينتظر الآخرون ذلك اليوم الذي ستكون فيه إسرائيل مكسورة. لا يبدو الخلاص ممكناً بعد ليلة السبت من جانب إيران، ولا يبدو بالمرّة من جانب الفلسطينيين أيضاً. فحكومة تل أبيب تفكر في اجتياح رفح جنوب قطاع غزة الآن، تماماً كما تفكر في توسيع نطاق عملها واستهدافاتها في جنوب لبنان وفي سوريا.

إن عدم إيجاد حلّ لهذا الصراع أو إبقاؤه، على الأقل، في حدوده الحالية دون أن يتوسع، قد يجعلنا جميعاً مثل أحمد. نعيش مهجّرين في مبانٍ متهالكة، نبحث عن أمل بعيد ينسينا أوضاعنا الصعبة، ونفرح لأعمال الحرب والدمار.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: