مرحلة جديدة وصفحة غير مسبوقة في تاريخ لبنان بدأت مع انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية.
لم يكن انتخاب عون هو المحطة اللافتة الأولى، حيث أتى خطاب القسم الذي ألقاه في المجلس النيابي بعد إعلان الفوز، من خارج الخطاب السياسي الذي درج عليه الرؤساء الذين سبقوه، وتفوقت مضامينه وعناوينه، لجهة تأثيرها المباشر على اللبنانيين، على خبر فوزه بالرئاسة، بعدما تجاوز هذا الخطاب كل ما يحلم به اللبنانيون ولم يتوقعوا يوماً أنهم سيسمعونه من أي رئيس للجمهورية.
وعلى امتداد مساحة البلاد، ووسط الإحتفالات بفوز “القائد”، تناقلت الأوساط السياسية قبل المواطنين، العناوين التي وردت في خطاب القسم، الذي أتى من خارج اللعبة السياسية، وكأنها تأسيسية للمرحلة المقبلة، ذلك أن الرئيس الجديد، أراد إفهام من يهمّه الأمر، من زعماء وقيادات على وجه الخصوص، بان أي محاولة لإحباط زخم العهد الجديد من خلال عملية تشكيل الحكومة، لن تلاقي النجاح وسيكون مصيرها الفشل.
وبالدرجة الأولى، يمكن إطلاق صفات المتماسك والثابت والتأسيسي والشامل، على خطاب قسم الرئيس عون، حيث أنه الخطاب الأول الذي لم يتحدث عن أي معادلة متصلة بالمقاومة، فحدد 3 عناوين وضع من خلالها الإصبع على الجرح، وأولها طمأنة اللبنانيين بأن لا سلاح إلاّ سلاح الدولة، وثانيها التأكيد على الحياد الإيجابي للدولة، وثالثها الإعلان عن حماية ودائع اللبنانيين.
ومن هنا، لا يمكن إغفال التحديات الهائلة والضخمة التي تنتظر العهد الجديد والتي تندرج في الملفات التي تضمنها خطاب القسم الذي أتى شاملاً إلى درجة متقدمة، وبشكل خاص في الأمن كما في القضاء والسياسة والإدارة والإقتصاد والمال، وهو ما سيؤدي إلى نقل لبنان من موقع إلى آخر.
والأبرز يبقى في الرؤية الواضحة وخارطة الطريق التي رسمها هذا الخطاب ولا مست أحلام كل لبناني بدولة حديثة وحرة وذات سيادة، وباستعادة الثقة بلبنان كدولة وبمؤسساته الرسمية والدستورية والأمنية والقضائية وبالقطاعين الإقتصادي والمالي من بوابة الإصلاح الإداري والمالي، من خلال إزالة كل العوائق التي كانت تمنع لبنان من الخروج من واقع المحاصصة والفساد، وبالدرجة الأولى تأمين حقوق المودعين والإعتراف بأن لهم ودائع ويجب إعادتها إليهم ولو استغرق هذا المسار بعض الوقت، على أن يتمّ ذلك من خلال تحديد المسؤوليات وتحفيز الإقتصاد والنمو والتقاط فرصة الدعم العربي والدولي وعدم إضاعتها.
يبشّر خطاب القسم اللبنانيين بمرحلة جديدة يتطلع إليها كل اللبنانيين، مرحلة تثبيت حقّ الدولة في احتكار حمل السلاح، وتغيير الأداء السياسي، وإقرار قانون إستقلالية القضاء، وإعادة هيكلة الإدارة العامة، وضبط الحدود ومنع التهريب ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان ومناقشة إستراتيجية دفاعية كاملة على كل المستويات، ورفض توطين الفلسطنيين، ومباشرة حوار جديد وندي مع الدولة السورية لمناقشة ملف النازحين وملفات أخرى عالقة.