دانيال عبيد لـLebTalks: زياد الرحباني حكى الحرب الأهلية وأعماله تعكس واقعنا المستمر

ddd

زياد الرحباني، الاسم الذي ارتبط لعقود بالموسيقى والمسرح والسخرية اللاذعة، يرحل اليوم عن عمر يناهز التاسعة والستين، تاركاً خلفه إرثاً فنياً يختصر وجع لبنان وأحلامه.

لم يكن زياد مجرد موسيقي أو ملحن أو كاتب مسرحي. كان ابن الحرب وصوت الناس، حمل قضاياهم على خشبة المسرح وفي مقطوعاته التي كسرت النمط السائد. مزج بين السخرية والجدية، فجعل الضحك وسيلة لقول ما عجز عنه السياسيون والخطب.

زياد الرحباني أكثر من فنان. هو حكاية وطن لم يعرف الاستسلام، واستمر في العزف رغم كل شيء. برحيله، لا ينطفئ صوته، بل يبقى حاضرًا في ألحانٍ ستظلّ تروي قصة لبنان كما لم يفعل أحد سواه.

عن لقائها بزياد الرحباني تقول الصحفية والمنتجة التلفزيونية دانيال عبيد لموقع LebTalks: "التقيتُ زياد الرحباني خلال جلسة تحضيرية لتصوير حلقة معه عبر شاشة LBCI، زياد شخص عاطفي بطبعه، فإذا شعر بالارتياح تجاه أحد يعطيه الكثير، أمّا إذا لم يرتح، فيبقى عند حدود السؤال والجواب"، مؤكدة أنّ "بالنسبة إليه: التواصل مع الشخص الذي يقابله مهم جداً وأساسي".

أضافت: "اضطررتُ يومها إلى مغادرة اللقاء بسبب ارتباط آخر، فلحقني إلى المصعد وقال لي: "إيمتى إنتِ بدك تحاوريني؟" هذه العبارة أثّرت بي كثيراً؛ أن يلحقني زياد الرحباني شخصياً إلى المصعد كان أمراً استثنائياً. شعرتُ حينها بالثقة التي بُنيت بيننا، خصوصاً عندما قال لي: "يجب أن نعقد جلسة مع الاصدقاء المشتركين". قدّرتُ هذا الموقف، وأدركت كم يكبر الإنسان بالقيمة والفكر حين يلتقي أشخاصاً مثله."

وتابعت عبيد: "زياد كان فيلسوفاً منسياً في لبنان، حكى الحرب الأهلية قبل وقوعها، وخلالها، وبعدها، ولهذا السبب تبقى أغانيه ومسرحياته تعكس واقعنا حتى اليوم. لقد رحل جسدياً، لكن حياتنا الوطنية والسياسية والأمنية التي وصفها بقسوةٍ وجرأةٍ وسخريةٍ لا تزال تجسّد واقعنا المستمر. لم نتغيّر، ولا نزال نكرر الأخطاء والخطايا ذاتها."

أضافت: "اليوم قد يستطيع أي شخص أن يُنتج أغنية باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكن المبدع الحقيقي والفنان الأصيل لا يمكن لأي تقنية أن تقلّده في الفكر والفن والروح. زياد لم يكن artificial، كان إنساناً وفناناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى."

وقالت عبيد: "في الحلقة التي صوّرناها، حدّثنا زياد عن قصة كل أغنية كتبها: الظروف التي وُلدت فيها، ولمن كانت موجّهة. ورغم أنّه كان معروفاً بيساريته وشبه إلحادِه، تحدّث يومها عن التراتيل التي لحّنها وحكاياتها، وكأنه اعتراف بإيمان مسيحي عميق لا يشبه الفولكلور".

وختمت عبيد بالقول: "زياد شكّل مدرسة مختلفة عن تلك التي أرسى دعائمها الأخوان رحباني، عاصي ومنصور، اللذان أسّسا حالة فنية صاغت الهوية اللبنانية بطابعها المميز، وكانت فيروز ثالثتهما. أمّا فن إلياس الرحباني فيشبه إلى حدّ ما فنّ الأخوين لكن بأسلوب أكثر شباباً و"طرافة". في المقابل، كان زياد يمتلك أسلوباً خاصاً ومدرسة مستقلة، تأثرت بعائلته بلا شك، لكنها ارتبطت أكثر بشخصيته وفكره السياسي والفلسفي المختلف، إضافة إلى أنه زاوج بين الطرب الشرقي والكلاسيكية الغربية والجاز، ولم يشبه أحداً إذ كان فريداً حتى بعائلة الرحباني".

مسرحيات زياد الرحباني لم تكن عروضاً ترفيهية عابرة، بل مرايا سياسية واجتماعية تعكس واقع بلدٍ مثقل بالأزمات والانقسامات. كان كل عملٍ له بمثابة شهادة على مرحلة من تاريخ لبنان، ومتنفساً لجيلٍ كامل يبحث عن صوته في وطنٍ مأزوم.

برحيل زياد الرحباني، يطوى فصل من فصول الإبداع اللبناني الذي جمع الفن بالفكر، والموسيقى بالموقف. إرثه لا يختصر مسيرته الشخصية فحسب، بل يروي حكاية وطن كامل بوجعه وأحلامه، بضحكه ومرارته. سيبقى صوته وأعماله حاضرين كوثيقة فنية وسياسية، تؤكد أن الإبداع الحقيقي لا يرحل، بل يظلّ ينبض في ذاكرة الناس جيلاً بعد جيل.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: