رسائل أميركية مبطّنة.. هل رفض ترامب لقاء الرئيس عون؟

marco

في مشهد معقّد يربط الداخل اللبناني بالخارج الإقليمي والدولي، تطفو على السطح المواقف الأميركية التي تبدو في الآونة الأخيرة متناقضة للعيان.

غير أنّ هذه التناقضات لا تأتي من فراغ، بل تعكس تعدّد الحسابات وتشابك المصالح التي تديرها واشنطن في المنطقة. فمرّة تُرفع النبرة إلى حدود التلويح بالتوتر، ومرّة يُعتمد خطاب أكثر هدوءاً يوحي بالاطمئنان، في إشارة إلى أن لبنان بالنسبة للولايات المتحدة ليس ساحة منعزلة، بل جزء من لوحة أوسع تتداخل فيها الملفات الإيرانية والخليجية والإسرائيلية، وتُرسم على أساسها أولويات السياسة الأميركية. هكذا، يصبح ما يبدو تناقضاً على السطح انعكاساً لسياسة مدروسة، تتبدّل أدواتها بتبدّل الظروف.

وبين الموفد الأميركي توم براك الذي يرفع سقف المواقف محذّراً من احتمالات تصعيد لا يمكن تجاهلها، ووزير الخارجية ماركو روبيو الذي يختار خطاباً هادئاً يشي بالاطمئنان إلى مسار الأحداث في لبنان، تتبدّى ملامح السياسة الأميركية بمختلف وجوهها.

قد يبدو المشهد متناقضاً، لكنه في الواقع يعكس دينامية داخل الإدارة الأميركية نفسها، حيث تتداخل الحسابات الاستراتيجية مع ضرورات التوازن بين الضغط والاحتواء. وبين هذين الخطّين، يجد لبنان نفسه مجدداً أمام مقاربة أميركية متحركة، ترتبط بالتحولات الإقليمية والدولية أكثر مما تعكس موقفاً واحداً ونهائياً.

وفي هذا الإطار، يشير مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديموقراطية توم حرب لموقع LebTalks إلى أن "الحديث المتداول اليوم داخل الإدارة الأميركية ومجلس الأمن القومي والكونغرس وحتى في مراكز الأبحاث، هو الأقرب إلى الدقة وهو المعتمد رسمياً".

وعن لقاء وزير الخارجية ماركو روبيو مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، يقول حرب: اللقاء كان بروتوكولياً أكثر منه استراتيجياً، فلو كان اللقاء ذا طابع استراتيجي لكان من الطبيعي أن تُبحث الملفات الحساسة مباشرة بين وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي ونظيره روبيو، مع متابعة لاحقة بعد لقاءات الأمم المتحدة".

ويتابع: "الواقع أن جوزاف عون كان سعى منذ أكثر من شهر للحصول على موعد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليستثمر هذا اللقاء في الداخل اللبناني، لكن الطلب رُفض، لأن الرئيس عون لم يقدّم أي مبادرة ملموسة في ما يخص الملف الإسرائيلي، واكتفى بطرح انتقادات عامة. حتى عندما اقترحنا عليه أن يضيف في خطابه أمام الأمم المتحدة بنداً يتعلق بتسهيل منح تصاريح أو تأشيرات للبنانيين الراغبين بزيارة الأراضي المقدسة لمدة أسبوع، رفض الأمر".

ويلفت حرب إلى أن "مع ذلك، لا يمكن إغفال أن لبنان على تماس مباشر مع الحدود الإسرائيلية، وأن الملف اللبناني سيُطرح في اجتماع نتنياهو مع ترامب وروبيو. لذلك جاء لقاء روبيو مع الرئيس عون في هذا التوقيت بالذات، حتى يتمكن الجانب الأميركي لاحقاً من القول أمام الإسرائيليين إن الطرح اللبناني لم يقدّم أي جديد يُبنى عليه".

هكذا، وبين السطور المتناقضة للمواقف الأميركية، يظهر لبنان مرّة جديدة كمساحة اختبار لمعادلات أوسع من حدوده الجغرافية. فالمسألة لم تعد تتعلق فقط بلقاء بروتوكولي هنا أو تصريح متشدّد هناك، بل بقدرة هذا البلد الصغير على أن يفرض نفسه لاعباً في لعبة إقليمية ودولية معقدة. وبين التصعيد والتهدئة، وبين الحسابات الأميركية والإسرائيلية والإقليمية، يبقى التحدي الأكبر أمام لبنان، كيف يحوّل نفسه من ورقة مطروحة على الطاولة إلى طرف قادر على صياغة جزء من المعادلة؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: