جاءت الحرب الاسرائيلية – الايرانية في توقيت دقيق وظروف صعبة لا قدرة للبنان على إستيعابها، وسط كل ما يطوّقه من شروط ومطالب دولية كي يدخل في الخانة الايجابية ويستريح من عناء حرب إسرائيل وحزب الله، التي دمرته من كل النواحي، ولم يعد قادراً على تحمّل اي تبعات او تداعيات لما يحدث اليوم من حرب ضروس معروفة النتائج، خصوصاً من ناحية الهدف الاميركي الذي تنفذه إسرائيل بحذافيره ضد إيران.
هذه الحرب التي تثير مخاوف اللبنانيين من ان يكونوا كالعادة كبش محرقة ورسائل بريد تستعين بهم إيران، كي تنفذ مصالحها الخاصة عبر حزب الله الموالي الاول لها، تبدو معالمها مغايرة لانّ الحزب لم يعد قادراً على تنفيذ تلك الاجندات والسيناريوهات المحضّرة سلفاً، لذا يلتزم الصمت والهدوء وإقفال خطوط نوابه ووزرائه ومسوؤليه، لانّ الرسائل الدولية الشديدة اللهجة وصلت من اكثر من جهة، وعلى ما يبدو انهم فهموا هذه المرة:” لا للعب بالنار و”الهوبرة” وإلا الطامة الكبرى”، لانّ محور الصمود والتصدّي وكل الشعارات التابعة له في طريقها الى الزوال، فالمنطقة تقترب من البركان والشرق الاوسط الجديد اصبح على الخارطة، وبالتالي فكل شيء قارب الانقلاب رأساً على عقب، لذا تبدو الاستعانة لافتة بالحياد الذي ينظم وضع لبنان في التوقيت الحساس، لذا لا بدّ منه اليوم لانه يحفظ خط الرجعة، في ظل حضور هذه الحرب الشرسة التي لا يعرف أحد متى تنتهي.
وإنطلاقاً من العمل الديبلوماسي الذي يواصله رئيس الجمهورية العماد جوزف عون مع عواصم القرار والمجتمع الدولي لتحييد لبنان، افيد بانّ حزب الله في حالة مراجعة سياسية وعسكرية وجردة حساب كبيرة، وكأنه يتجه الى مسار آخر مغاير كليّاً بعدما توالت خسائره من المقرّبين اكثر من المبعدين، وبعدما تأكد له انه حجر في لعبة الشطرنج الايرانية، ما افقده كل شيء فبات الخاسر الاكبر من كل النواحي، حتى بيئته الحاضنة التي لم تعد مؤمنة به على الرغم من كل المشاهد العكسية التي يحاول إظهارها عبر وسائل الاعلام، فيما الحقائق مغايرة لانه جرف معه كل المناصرين والمؤيدين بعدما فقدوا البشر والحجر وكل ما يملكون…
إنطلاقاً من هنا غابت كل المؤشرات التي توحي بإنخراط حزب الله في هذه الحرب، بعد التهديدات الاميركية والاسرائيلية المشتركة، ونصائح الدول العربية والغربية الصديقة لانّ مناطق الضاحية الجنوبية ستكون في قلب الحدث العسكري هذه المرّة، وبطريقة مشابهة جداً لما جرى في غزة وقرى الحدود الجنوبية، لذا النأي بالنفس يسير اليوم على السكة الصحيحة وفق المعطيات، التي تؤكد اننا دخلنا في مرحلة سياسية جديدة ستظهر معالمها في الوقت المناسب غير البعيد…