أنطوان سلمون
المرحلة التي يعيشها اللبنانيون الأحرار في مواجهتهم السياسية والفكرية وبصدورهم العارية لمن يعيث بسيادتهم وباستقرارهم وبأمنهم وباقتصادهم خرقاً، زعزعةً وتقويضاً تشبه الى حد كبير المرحلة التي سبقت وواكبت ولحقت باغتيال الصحافي والسياسي السيادي الشاب جبران غسان تويني في 12 كانون الأول 2005.
في الذكرى التاسعة عشر لاغتيال النائب جبران تويني، نستذكر ما تعرّض له الشهيد من تهديدات جدية دفعته الى مغادرة الأراضي اللبنانية الى فرنسا وما لاحقه من اشاعات وافتراءات استدرجته للعودة عبر مطار بيروت، حيث غابت سيطرة الدولة ونجحت مراقبة فلول النظام بالتعاون مع الدويلة الممسكة بالمطار ومحيطه الواسع.
قد تكون جريمة جبران تويني التي دفعت مستهدفيه للتربص والنيل منه هي في ما ورد في قسمه في 14 آذار 2005: “نُقْسِم بالله العظيم، مسْلمين ومسيحيين، أَن نبقى موحَّدين إِلى أَبد الآبدين، دفاعًا عن لبنان العظيم. عاش لبنان”، والذي كان ردّاً على تظاهرة الحزب “شكراً ودفاعاً عن سوريا الأسد” في 8 آذار، وردّاً على تظاهرة أخرى لاحقة نظمها الحزب في 13 آذار 2005 في النبطية رفعت فيها لافتات حملت رسماً لوليد جنبلاط بلباس حاخام يهودي.. واخرى كتب عليها: “صحيفة النهار ديك الاستعمار”.
على الرغم من ردة فعل جمهور الحزب المُنَظِّم للتظاهرتين، المنتظِم والمنظَّم بتوزيع البقلاوة احتفالاً بالاغتيال يوم 12 كانون الأول 2005 كانت رسالة عميد النهار والد الشهيد الاستاذ غسان تويني يوم دفن نجله جبران قوية مدوية مفاجئة بسموها الاخلاقي وتعاليها على الجرح العميق، اذ قال في 14 كانون الأول 2005: “انا ادعو اليوم في هذه المناسبة، لا الى انتقام ولا الى حقد ولا الى دم، انا ادعو الى ان ندفن مع جبران الاحقاد كلها، والكلام الخلافي كله، وان ننادي بصوت واحد ذلك القسم الذي اطلقه في ساحة الشهداء يوم انتفاضة 2005، التي ذهب ضحيته، ادعو اللبنانيين جميعاً، مسيحيين ومسلمين، لان يكونوا واحداً في خدمة لبنان الوطن العظيم وفي خدمة القضية العربية”.
تأكيداً على حقد النظام الذي واجهه وعارضه وقاومه الشهيد جبران بالموقف والكلمة نعود الى ما اعلنه والد الشهيد في 18 كانون الأول 2005 انه “سيقاضي المندوب السوري لدى الأمم المتحدة فيصل المقداد أمام المحاكم الأميركية، الذي توصل الى حد القول في نيويورك عقب جريمة اغتيال الشهيد تويني: “ليس كلما مات كلبٌ في لبنان نعمل له لجنة تحقيق دولية، لا أطلب الانتقام من أحد وننتظر رأي القضاء.. أريد أن أوضح شيئاً بصفتي رجلاً عمل ستين عاماً في السياسة.. عندما يقول سفير سوريا في الأمم المتحدة ويصدر موقفه في الصحف الأميركية ان ليس كلما مات كلبٌ في لبنان نعمل له لجنة تحقيق دولية، فأنا سوف أقاضيه وأرفع دعوى ضده أمام المحاكم الأميركية”.
كما رد غسان تويني على قول وزير الإعلام السوري مهدي دخل الله أنه “يمكن أن يكون (الشهيد) جبران تويني مستديناً أموالاً ولم يدفعها فجاءوا وقتلوه”، فقال: “ما هذه الطريقة لتحصيل الدين، فلا يتهموا أنفسهم ونحن لا نتهمهم”.
كانت صحيفة “ذي صن أوف نيويورك” نقلت في 17 كانون الاول 2005 عن ديبلوماسي في الأمم المتحدة لم يفصح عن اسمه أن المندوب السوري الدائم في الأمم المتحدة شبّه الشهيد جبران تويني بـ”الكلب”. وذكرت الصحيفة أنه “وفي خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن سمع أحد الديبلوماسيين رفض كشف اسمه المقداد يقول لديبلوماسي عربي: “الآن وفي كل مرة يموت فيها كلبٌ في بيروت سيكون هناك تحقيق دولي؟”.
استكمالاً للاعتراف المبطن على لسانَي مسؤولي نظام الاسد الساقط الهارب، أفادت أحد برقيات “ويكيليكس” في 6 حزيران 2011 بـ”تورّط حلقة أمنيّة تحيط بالرئيس السوري بشار الأسد ويرأسها صهره آصف شوكت”. كما أفادت قناة “العربية” مساء السادس من تشرين الأول 2012 بانها حصلت على وثيقة من ضمن المئات التي تكشف عنها يومياً، تعود “إلى الثاني عشر من كانون الأول 2005 وهي مرسلة من رئيس فرع العمليات في المخابرات السورية حسن عبد الرحمن إلى رئيس جهاز الأمن القومي السابق آصف شوكت”، ويقول عبد الرحمن في الوثيقة “إنه وبمساعدة عناصر من مخابرات حزب الله اللبناني تم إنجاز المهمة رقم 213 والتي أوكلت إليهم في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) بنتائج ممتازة”. وتقول القناة إنه “بالتزامن مع توقيت رسالة آصف شوكت بتنفيذ المهمة، وفي نفس اليوم الذي أرسلت فيه هذه البرقية إلى القصر الجمهوري السوري، كانت سيارة مفخخة بانتظار النائب اللبناني جبران تويني، وهو في طريقه إلى العمل لتنهي حياته في عملية اغتيال”.
مع كل ما سبق وتأكد فقد رضي القتيل ولم يرض القاتل مع اصرار الأب المفجوع على رسالته بـ”دفن الحقد والثأر” بأن اصدر كتابه في التاسع من كانون الأول 2010 بعنوان “فلندفن الحقد والثأر- قدر لبناني”.
لا يسع احباء الشهيد جبران تويني في ذكراه وفي تذكّر بقية الشهداء، امام سقوط نظام حكم البعث الأسدي الذي جثم على صدور اللبنانيين والسوريين، الا ان يعيشوا مضمون وروح قَسَم جبران الذي بقي ورسخ في حين ان النظام السوري ومحوره وسردياته وعنترياته سقطت ما قبل سقوط بشار الأسد، وان يؤكدوا للقاتل مع عميد النهار الراحل غسان تويني “ان جبران لم يمت” وان يقرأوا جيداً “الكلمة الصريحة الى الرئيس الأسد” الذي كتبها الشهيد جبران تويني في 3 شباط 2005 مجرّمة نظامه ومخابراته وأتباعه كاشفة ارتكاباتهم: “من المستحيل التصديق أن النظام السوري لم يكن على علم بممارسات أجهزة مخابراته في لبنان طوال ربع قرن وأكثر، وبالتحديد طوال ثلاثين عاماً من “الوجود السوري” أو “الاحتلال”.