مع بداية فصل الشتاء، ومع كل هطلة مطر أو عاصفة، يتحوّل المنزل الذي نسكنه من مأوى آمن إلى خطر حقيقي يهدّد حياتنا. الأمطار والسيول لا تكتفي بتبلل الشوارع، بل تتسلّل إلى الأساسات والجدران، فتضعف المباني تدريجيًا، ويصبح كل تشقّق أو صدأ في الحديد إنذارًا بالخطر. فكيف نعرف أن المبنى مهدّد بالانهيار؟ ومن الذّي يتحمّل المسؤوليّة؟
يشرح المهندس المعماريّ طوني طراد، في حديثٍ خاص إلى موقع "LebTalks"، أن "خطر انهيار المباني لم يَعُد يقتصر على الأبنية القديمة وحدها، بل بات يشمل حتى الحديثة إذا أُهملت أو تعرّضت لعوامل تُضعف بنيتها".
ويوضح أنّ "الارتدادات الناتجة عن الانفجارات والغارات تُلحق أذى خفيًا بالأعمدة والأساسات، حتى لو لم تُصَب المباني مباشرة".
ويربط طراد هذا الواقع بالضغط السكّاني المتزايد، معتبرًا أنّ "الاكتظاظ والنزوح يضيفان وزنًا يفوق قدرة الهياكل على التحمّل، خصوصًا في المباني التي تعاني أصلًا ضعفًا إنشائيًّا. ومع حلول الشتاء، يتضاعف التهديد، إذ تتسرّب الأمطار إلى الأساسات وتُضعف التربة المحيطة بها، ما يؤدي إلى تزحلق المبنى تدريجيًا، ويجعل أي إهمال في المعالجة سببًا مباشرًا للانهيار".
ويحذّر كذلك من الأبنية القريبة من الكسّارات أو الحفريات العميقة، حيث تؤدي الاهتزازات المستمرّة وعمليات الحفر إلى تقليل تماسك الأرض. ومع الأمطار، تصبح التربة الرخوة أكثر عرضة للحركة والانزلاق، ما يحوّل الشتاء في هذه المناطق إلى عامل خطر مضاعف. أمّا الأبنية الواقعة قرب الأنهر أو البحر، فتبقى عرضة لارتفاع منسوب المياه والسيول، ما يهدّد سلامتها مع كل عاصفة شتوية.
وفي المناطق الجبلية، لا تقلّ الخطورة، إذ يتراكم الثلج على الأسطح تدريجيًا حتى يصبح أثقل مما تحتمله بعض الأبنية الضعيفة، فيما تتسبّب السيول الجبلية بجرف التربة والحجارة، ما يزيد الضغط على المباني ويجعلها أكثر عرضة للتصدّع أو الانهيار.
وفي السياق، يُعدّد المهندس العلامات المبكرة التي تُنذر بخطر الانهيار:
• تشقّقات (Cracks) في السقف والجدران والواجهات وجدران الدعم وهي أبرز إنذارات الخطر.
• تسرّب المياه إلى الحديد في الأسقف، ما يؤدّي إلى صدأ الحديد وفقدان قدرة السقف على التحمّل.
• تآكل الجدران الداعمة عند اختراق المياه لها، ما يزيد احتمال انهيارها.
• تأثّر الأساسات بسبب تجمّع المياه حولها أو جرف التربة تحتها، وهو أخطر تهديد لبنية المبنى.
الإجراءات الهندسية للوقاية:
• تحويل مجرى المياه (dewatering) بعيدًا من المبنى، خصوصًا بعيدًا من الأساسات والجدران الداعمة.
• التأكّد من العزل (Isolation) المائي للسقف والجدران، ومعالجة أي تجمعات مياه قبل أن تصل للأساسات.
• إقامة مصارف (barbacane) داخل جدران الدعم، وهي فتحات مخصّصة لتصريف المياه المتراكمة خلف الجدران.
• متابعة المبنى دوريًا لرصد أي تشققات أو تآكل قبل تفاقم الأضرار.
لكن عند وقوع الانهيار، من يتحمّل المسؤولية؟
يؤكّد مصدر قانونيّ أنّ "المالك هو صاحب وحارس المبنى، ويتحمّل مسؤولية أي ضرر يلحق بالآخرين نتيجة سقوط المبنى أو أي ضرر يسببه. وإذا تبين أنّ البناء آيل للسقوط، تتدخل البلدية بوضع إنذار رسمي على المبنى للإخلاء. وفي حال وجود مستأجرين، يتوجّب على المالك إبلاغ كل مستأجر بالإخلاء، ليتمكّن من رفع المسؤولية عن نفسه، وتنتقل المسؤولية إلى أي شخص يرفض الإخلاء رغم الإنذار الرسمي".
ومن هنا، الوقاية اليوم تنقذ الحياة غدًا، فمتابعة علامات الخطر والالتزام بالإجراءات تحمي المباني وسكانها، والمسؤولية تبدأ من المالك وتمتدّ إلى من يتجاهل التحذيرات.