لم يكن الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أمام اختبارات "معقولة" خلال توليه مسؤولياته في مصرف لبنان المركزي، ولم يكن ما مر به لبنان من انهيار مالي ومصرفي، لم يعرفه بلد في العالم في التاريخ الحديث.
وكما أن الوقائع واضحة وهوية المستفيدين من الإنهيار وانتقال لبنان إلى اقتصاد الكاش وتصنيفه على اللائحة الرمادية للدول غير المتعاونة في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والذي ما زال اللبنانيون والإقتصاد يعانون منه حتى اليوم.
تحدث الحاكم السابق ولكنه لم يكشف إلا رأس الجليد في الكارثة التي ضربت لبنان وأصابت قطاعاته المصرفية والإقتصادية والمجتمع واللبنانيين.
ومن خلال ما هو معلن اليوم من خسائر مالية ومن فضائح موثقة حول الصفقات التي حصلت في حكومات الأمر الواقع التي تولت السلطة قبل وخلال وبعد انهيار 2019، يمكن للمراقب أن يستخلص سريعاً ما تحدث به سلامة بالأمس حول توافق سياسي بين هذه القوى أي الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، على تحميل سلامة مسؤولية ارتكاباتهم وسياساتهم التي أفلست لبنان وهدرت ودائع اللبنانيين وتسببت بالإنهيار جراء قرار حكومة حسان دياب بالإمتناع عن دفع فوائد سندات الدين من خلال طرح الموضوع في سوق المزايدات الشعبوية وتضليل الرأي العام حول نتائج القرار ثم لاحقاً إستغلال الإنهيار المالي عبر بدعة الدعم والسطو على ما كان تبقى من ودائع.
سلامة عرض جزءاً يسيراً مما تعرض له عندما قررت هذه القوى تقديمه كبش فداء عن مصالحهم وقراراتهم القاتلة بكل معنى الكلمة.
وكان ثابتاً أن كل الحملات السياسية التي تعرض لها سلامة قد سعت لتحقيق هذا الهدف حيث أن كل ما تم تسويقه عن ملاحقات قضائية في الخارج وتحديداً في أوروبا، لا يستند إلى أي وقائع قانونية جدية بدلالة سقوط كل الإدعاءات التي تولى التيار الوطني إشاعتها في الإعلام المحلي والأوروبي، مع العلم أن ما يتم الإعلان عنه اليوم من ممارسات وهدر قام بها مسؤولون ووزراء عونيون، هو الدلالة على زيف حملاتهم وادعاءاتهم.
سلامة عرض وبالأرقام أسباب الإنهيار المالي وكلفة الحرب السورية على لبنان وكشف عن حساباته.
إذا كانت الفجوة المالية تقدر بنحو 85 مليار دولار يجري البحث في توزيعها على المصارف والدولة ومصرف لبنان والمودعين، فإن كلفة الحرب السورية على لبنان بلغت 30 مليار دولار فيما أن الإنهيار لاحقاً قد نتج عن سياسات حكومات أنفقت من دون حساب وضغطت على مصرف لبنان لتمويل نفقاتها غير المحسوبة ورفضت الإستماع إلى كل تحذيرات سلامة حول الوضع المالي منذ العام 2016، وبالتالي فإن هندسات سلامة المالية، لم تكن المسؤولة بل هي أتت في سياق تأمين ما يمكن تأمينه من أموال المودعين قبل ضياعها مجدداً في سياسات الدعم الحكومية والتي لم يستفد منها إلا الثنائي الشيعي وحلفائه الذين خططوا لإفلاس المصارف اللبنانية وشطب الودائع وإفساح المجال أمام مصارف جديدة.