سنة 2026 لن تكون السنة الأفضل. نعم. فلا تتأمّلوا أن تستيقظوا "فجأةً" أنحف أو أجمل، ولا أن تصبحوا بين ليلةٍ وضُحاها أغنياء أو أكثر نجاحاً. ففي كلّ سنة جديدة، نُعلِّق آمالَنا على "رقم"، على "تاريخ"، على أمنياتٍ فضفاضة، ثمّ نُصدَم بالحقيقة نفسها: نحن لم نتغيّر، الضغوط لم تختفِ، والحياة لم تصبح أسهل "فجأةً". فماذا يحدث مع كلّ بداية زمنيّة جديدة؟ ولِمَ نُصرّ على ربط التغيير بتاريخٍ بدل ربطه بقرار؟
"بداية السنة لا تعني خلق "New Me"، بل فَهْم ما تعلّمناه من السنة الماضية"، هذا ما تؤكّده الاختصاصيّة النفسيّة ريتا نهرا، معتبرةً أنّ "التعامل مع الزمن يجب أن يكون كامتداد (Continuity) لتجاربنا السابقة".
وتقول نهرا، في حديثٍ خاصّ إلى موقع LebTalks إنّ "وضع أهداف صغيرة، واقعيّة وقابلة للتنفيذ، أفضل من الركض وراء تغييرات جذريّة غير قابلة للتحقيق".
لماذا نربط التغيير بالتاريخ؟
توضح الاختصاصيّة النفسيّة أنّ "ربط التغيير ببداية زمنيّة جديدة هو سلوك نفسيّ شائع، يمنح الإنسان شعوراً مؤقّتاً بالأمل والراحة". وتشرح أنّ الإنسان، عندما يقول "سأبدأ الاثنين" أو "سأبدأ مع السنة الجديدة"، "يشعر براحة أكبر من البدء فوراً، لأنّ ذلك يخفّف الضغط النفسيّ عبر تأجيل الإحساس بالمسؤوليّة المباشرة".
لكنّها تشير إلى أنّ "هذه الآلية، في معظم الأحيان، تكون حجّة لا واعية لتأجيل القرار، لا لاتّخاذه".
رأس السنة.. من صاحب القرار؟
ترى نهرا أنّ رأس السنة يتحوّل نفسيّاً إلى "صاحب القرار"، بدل أن يكون الإنسان هو المبادر، فيُحمَّل التاريخ مسؤوليّة التغيير، "وكأنّه يمتلك قدرة سحريّة على قلب المعادلات". وتؤكّد أنّ "التغيير الحقيقيّ لا يحدث دفعة واحدة، بل عبر خطوات صغيرة ومتراكمة".
من التفاؤل.. إلى الخيبة
من جهة أخرى، تحذّر الاختصاصيّة النفسيّة من رفع سقف التوقّعات مع بداية كلّ عام، معتبرةً أنّ "التفاؤل المفرط قد ينقلب سريعاً إلى خيبة".
وتشرح أنّ "الإنسان، مع بداية السنة، يتجاهل واقعه الفعليّ: إلتزاماته، طاقته الجسديّة، وقدرته النفسيّة، ويضع أهدافاً مثاليّة لا تشبه حياته". وعندما يعجز عن تحقيقها، "يبدأ جلد الذات، ويتحوّل الإحباط إلى شعور بالفشل، ما ينعكس سلباً على تقدير الذات والثقة بالنفس".
وتؤكّد أنّ "تكرار هذا السيناريو قد يدفع الفرد إلى فقدان الدافع والأمل، والدخول في دائرة من الذنب والضغط النفسيّ، والشعور بعدم الجدوى".
كيف نبدأ بطريقة صحّيّة؟
تجيب نهرا أنّ "البداية الصحّيّة لا تقوم على وهم الولادة الجديدة، بل على استكمال التجربة عبر أهداف صغيرة وواقعيّة". وتلفت إلى ضرورة العودة إلى الذات، بعيداً من المقارنات والتأثّر بما يفرضه المحيط أو وسائل التواصل الاجتماعيّ، وطرح أسئلة مثل: "ماذا أحتاج فعليّاً؟ هل أحتاج وقتاً أكثر مع نفسي؟ تعلُّم مهارة جديدة؟ تحسين نمط حياتي؟ أو تطوير نفسي مهنيّاً؟".
وتؤكّد أنّ "الأهداف الصغيرة تمنح شعوراً حقيقيّاً بالإنجاز والفخر، لأنّها ترتكز على واقع نعيشه يوميّاً، لا على أحلام ضخمة غير مدروسة". تضيف: "التغيير لا يعني الكمال، بل التقدّم".
سجّل إنجازاتك!
في هذا الإطار، تشجّع نهرا على تدوين كل إنجاز تحقّق خلال السنة، مهما بدا بسيطاً: "زيادة في الراتب، الانتقال إلى وظيفة جديدة، تعلّم مهارة، أو قراءة كتاب". وتختم بالقول إنّ "هذه الإنجازات الصغيرة، التي غالباً ما نغفلها، تشكّل الأساس الحقيقيّ لأي تغيير طويل الأمد".
من هنا، يصبح من الضروريّ نشر التوعية حول عبارة "New Year, New Me"، وفهم أنّ هذه الجملة، على بساطتها، قد تُسهم على المدى الطويل في رفع سقف التوقّعات وخلق ضغوط نفسيّة إضافيّة. لذلك، علينا اعتماد مقاربة أكثر وعياً، تقوم على وضع خطّة منطقيّة قائمة على الواقعيّة. فالتغيير الحقيقي لا يحتاج إلى سنةٍ جديدة، بل إلى وعيٍ مستمرّ، وقراراتٍ صادقة، وخطواتٍ صغيرة نلتزم بها كلّ يوم.