شعبويّات على المنابر

gebran-tayyar

بانتظار قراءة نتائج زيارة "توم برّاك" الحاليّة الى لبنان وأجوبة الدولة و"حزب الله" عليه ليُبنَى على الشيء مقتضاه، فلنتابع بعضاً من الخطابات "الشعبويّة" التي تملأ وقت الفراغ.

في عشاء "التيّار الوطني الحرّ" في بعبدا منذ أيام، إستفاض النائب جبران باسيل بنك جراح الماضي كَون ليس هناك في حاضرِه ولا في تاريخِه ما يفتخر به إلّا نَبش القبور.

لكن لا بدّ من توضيح بعض النقاط لكي لا تسهى عن بال اللبنانيّين ولا تختلط عليهم بفعل قلب الحقائق وتزويرها كما العادة.

١- يتبجّح النائب باسيل بالكلام عن بطولاته وبطولات "تيّاره" في الدفاع عن لبنان بوجه "المشروع الفلسطيني" الذي كان يقضي بتحويل لبنان الى "وطن بديل"، علماً أنّه في تلك الفترة لم يكن وُلِدَ لا هو ولا تيّاره ولا من يَحزنون.

ويتبجّح أيضاً النائب باسيل بالحديث عن تضحياته في مواجهة "السوري المحتلّ".

 ونحن لا نعرف له و"لتيّاره" اسم شهيد واحد في مواجهة السوري من تاريخ دخول منظمة "الصاعقة" الفلسطينيّة-السوريّة في العام ١٩٧٥ ولغاية "حرب التحرير" المشؤومة والفاشلة.

أمّا بالنسبة لمساهماته مع "تيّاره" في تحرير الجنوب ومواجهة الإسرائيلي، فإنّنا ننتظر من قيادة "حزب الله" أن تُفيدَنا عن تضحيات النائب باسيل في المعارك ضدّ إسرائيل وعن عدد "شهداء التيّار" فيها، لعلّنا جاهلون.

هذا في الموضوع الأول.

٢- امّا في الموضوع الثاني، يصرّ النائب باسيل على أنّ "القوات" حاربت الجيش اللبناني "الشرعي" في العام ١٩٨٩- ١٩٩٠.

أيضاً وأيضاً وللتذكير وتوضيحاً للبنانيّين، ومع كامل احترامنا للضبّاط والجنود الذين حاربوا  تحت قيادة العماد ميشال عون في تلك الفترة،

عندما هاجم العماد ميشال عون "القوات اللبنانيّة" في "حرب الإلغاء"، كان قطار جمهوريّة الطائف قد انطلق وانتُخِبَ الرئيس الشهيد رينه معوّض كأوّل رئيس للجمهوريّة بعد الطائف. وبعد اغتياله انتُخِبَ الرئيس الياس الهراوي كثاني رئيسٍ للجمهوريّة بعد الطائف، وعُيّن العماد إميل لحود كأوّل قائد للجيش اللبناني بعد الطائف، وأصبح العماد ميشال عون بفعل هذه المتغيّرات الدستوريّة، مُغتَصِباً للسلطة في قصر بعبدا.

وبذلك تكون "حرب الإلغاء" قد حَصَلَت بفعلِ هجوم قوّة "غير شرعيّة" بقيادة العماد ميشال عون، على "القوات اللبنانيّة"، وبالتالي لم تكن هذه حرباً بين "جيش شرعي" "وميليشيا" كما يصرّ النائب باسيل على الادّعاء في كلّ مناسبة، فاقتضى التوضيح مرّة أخرى.

ولأصحاب الذاكرة القصيرة، عندما "غادر"  العماد عون قصر بعبدا في "ملّالته" ملتجئاً الى السفارة الفرنسية لحظة الإعلان عن بدء هجوم "الجيش السوري" على المناطق المحرّرة بطلعة طيران من طائرتين سوريتين فوق قصر بعبدا، حينها وللتذكير،

فقد طَلَب العماد ميشال عون، ولو متأخّراً، من جميع الضبّاط والعسكر الالتحاق بالجيش اللبناني بقيادة العماد اميل لحود.

ما يعني أن العماد ميشال عون كان مُدركاً أنّ قائد الجيش في حينه كان العماد لحود وليس العماد عون.

(للأسف لم تصل يومها هذه "الأوامر" الى كافة الوحدات في الوقت والشكل المناسِبَين فحصل ما حصل من مجازر لا تُمحى من البال بحقّ ضبّاط وأفراد الجيش اللبناني البطل.)

نعيد تكرار هذه الحقائق احتراماً للذاكرة، لأنّ الصُراخ على المنابر قد يضلّل مَن كان في عشاء التيّار لكنّه لا يمكنه طَمس الوقائع الساطعة.

٣- في الموضوع الثالث، وتأكيداً على ما أَوردناه أعلاه، عندما استتبّ الواقع "الدستوري" في لبنان بعد سقوط حالة التمرّد على السلطة التي قادها العماد ميشال عون، وبعد أن عادَت الدولة، ولو عرجاء، وتطبيقاً لمندرجات اتفاق الطائف الذي أصبح الدستور اللبناني، عَمَلَت "القوات اللبنانيّة" على التخلّي عن سلاحها ووضعت نفسَها تحت الدستور والقوانين، وتحوّلت الى حزب سياسي، دون أن تتذرّع بالخوفِ من أعداءٍ في الداخل او في الخارج كما يفعل "حزب الله" اليوم، وكما يؤيّده النائب باسيل في كلّ سرديّاته استعطاءً لمقعد نيابي.

طبعاً كلّ المتابعين في تلك المرحلة كانوا على علم بالجهد الكبير الذي قام به "الحكيم" لإقناع "رفاقه" في القوات بضرورة التخلّي عن السلاح لصالح بناء الدولة، لأنّ علّة وجود "القوات" هي دعم قيام الدولة بكل مؤسّساتها.

٤- في الموضوع الرابع، طالب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة قدّاس عيد "مار شربل" في عنّايا، بحضور فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزف عون، بإلغاء المادة ١١٢ من قانون الانتخاب وبالتالي، إلغاء بدعة انتخاب اللبنانيّين المنتشرين للنواب السِتّ في الخارج وضرورة أن يختاروا، كسائر اللبنانيين كامل نوابهم الـ١٢٨ حسب سجل نفوسهم على كامل الأراضي اللبنانيّة تحقيقاً للمساواة مع باقي اللبنانيّين.

بعد هذا الموقف الواضح، هل يعود من المسموح للنائب باسيل التمسّك بإقصاء المغتربين وقطع أواصرهم مع بلدهم "الأم" ونَفيهم في الخارج لينتخبوا ستّة نواب في ستّ قارات لزوم ما لا يلزم؟

طبعاً نحن نتفّهم دوافع ومخاوف النائب باسيل، فبعد أن أورثه الرئيس ميشال عون ثلاثين نائباً فأصبحوا، حسب قوله ٢١ نائباً في انتخابات العام ٢٠٢٢، وأضحوا تسعة نواب فقط في جلسة طرح الثقة الأخيرة بالحكومة في مجلس النواب، فإنّ خوفه من تصويت المغتربين أن يصبّ "عكس التيّار"، فتنتهي "الوِرتِة" الى تقلّص عدد نواب "التيّار الحر" الى أقلّ من أصابع اليد الواحدة.

فهل بِنَبش القبور والصراخ على المنابر يريد جبران باسيل إعادة استنساخ "غوبلزيّة" ميشال عون؟

الزمن لا ولن يعود الى الوراء.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: