صخر لـ”LebTalks”: فرصة أخيرة أمام لبنان أو فرض مصير لا يريده

leb-flag-1

بين شرقٍ أوسطٍ يتداعى على وقع الحروب والميليشيات، وآخر يُرسم بخطى متسارعة نحو الاستقرار والتنمية، تتبدّل المعادلات وتُكسر المحاور. فالمشهد الجيوـ سياسي لم يعد يحتمل المناطق الرمادية، بل يفرض على الدول خيارات جذرية، إما أن تواكب هذا التحوّل التاريخي، أو تُركن إلى الهامش. ففي لحظة تشهد فيها المنطقة إعادة تموضع كبرى، تتهاوى مشاريع الهيمنة، وتنهض معادلات جديدة تُعيد تشكيل الشرق الأوسط على أسس مختلفة تماماً، لا سلاح خارج الدولة، لا نفوذ لغير الشرعيات، ولا مكان لمن “يراوح مكانه”.

في هذا السياق، أشار العميد الركن المتقاعد يعرب صخر، في حديث إلى “LebTalks”، إلى أن “الشرق الأوسط بأكمله كان أمام خيارين: إما دوام خيار الممانعة ومحور المقاومة، وما يرافقه من حروب ولا استقرار، وميليشيات متوزعة تنوب عن الدول وتعمل لمصلحة إيران تحت ذريعة مساندة وتحرير فلسطين، والتي تبيّن لاحقاً أنها مفبركة وليست من أجل القضية، بل بهدف التغلغل في الشرق الأوسط وفرض القرار والنفوذ، ليكون هذا المحور هو المقرر والناهي في المنطقة”.


ولفت إلى أنه “بعد 7 تشرين الأول، وثبوت بطلان هذا الخيار، برز توجه آخر معاكس ومناقض، يقوم على الحداثة والتنمية والتطور والاستقرار الدائم الخالي من الحروب والنزاعات والميليشيات، تقوده المملكة العربية السعودية، أي أن هناك توجهاً عربياً جديداً كان قد بدأ سابقاً، لكن زوال محور المقاومة ثبّت صواب خيار التنمية”.


أضاف: “واكب هذا التوجه، مصادفةً، مرور المشروع الأميركي الجديد للشرق الأوسط، الذي يتناغم مع هذا التوجه، والقائم وفق عقيدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب: السلام، حتى ولو فُرض بالقوة، أي ضرورة أن يسود السلام عبر ممارسة سياسة الضغط الأقصى وإنهاء الحروب، وفن عقد الصفقات، ليكون هناك شرق أوسط جديد خالٍ من النزاعات والحروب. ما يدلّ على ثبوت بطلان خيار الممانعة، وثبات مشروع الإقليم العربي الجديد بقيادة السعودية، المتناغم مع التوجهات الأميركية في المنطقة”.


وقال: “في النظرة الجيوـ استراتيجية الأميركية، يجب أن يكون الشرق الأوسط مستقراً، وأن يكون للولايات المتحدة الدور المؤثر فيه، لأنه يُعدّ المرتكز الأساسي الذي تنطلق منه الجيوـاستراتيجية الأميركية في تطبيق مبدأ الإحاطة بالصين، وهذا يدلّ على تفكير عالمي ـ إقليمي مترابط”.


وأشار إلى أن “أميركا احتوت روسيا في أوكرانيا، وهي الآن تتوجه لاحتواء الصين التي تُعدّ المنافس الأول لها في العالم، لكن هذا التنافس قائم على الاقتصاد والتجارة واحتلال الصدارة العالمية، وليس على النزاعات والحروب. ولكي تتمكن أميركا من إحاطة الصين وتمنعها من التمدد إلى الشرق الأوسط، كان لا بدّ لها من تصحيح سياسات رئيسَي الولايات المتحدة السابقين، باراك أوباما وجو بايدن، اللتين أفسحتا المجال وشرعتا الأبواب أمام إيران للتمدد في المنطقة”.


وأوضح أن “هذا الدور قد انتهى الآن. ما حدث في لبنان، وفي حركة حماس بعد 7 تشرين الأول ـ الذي يُعدّ محطة فاصلة ـ نقل الشرق الأوسط بأكمله من حالة الحروب والدمار إلى محاولة تثبيت الاستقرار ونشر السلام، إذا أمكن ذلك”.


وتابع: “من متطلبات هذا التوجه العربي الجديد، الذي يتقاطع مع التوجهات الأميركية، إخلاء المنطقة كلها من النزاعات والميليشيات المسلحة. لا يكفي تحييدها أو تحجيم دورها، بل يجب القضاء عليها بالكامل وإنهاؤها”.


وأكد أن “ما حدث في لبنان كان ضربة قاصمة لحزب الله، الدرع الأول لإيران، لكن المهمة لم تنتهِ بعد. وما حصل في غزة يشارف على الانتهاء، كما في اليمن، حيث تم احتواء الحوثيين وهم على طريق التلاشي. وتبقى الميليشيات العراقية، أما الخط الواصل من طهران إلى بيروت عبر سوريا، فقد تم قطعه أيضاً. وهذا يدلّ على خلخلة وزعزعة استقرار هذه الميليشيات التي تُشكّل دروعاً لإيران، وأصبحت الضربات تُصيب الأصل لا الوكيل، أي طهران، كما حدث في حرب الـ12 يوماً”.

وتابع: “ما حصل مع الحزب لا تزال أسبابه قائمة، وتجدد الحرب لا يزال ممكناً في لبنان وإيران، ذلك للقضاء على هذه الظاهرة وإنهائها، لأنها المانع الوحيد أمام قيام شرق أوسط جديد”.

أما عن منشوره الأخير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي قال فيه: “الدولة التي لا تستلحق نفسها وتلتحق بركبه، فسوف يتم إلحاقها عنوة”، أوضح صخر أن “الشرق الأوسط الجديد، المؤسس على السلام والاستقرار والتقدم والتنمية، يواجه عائقاً وحيداً يتمثّل بالميليشيات التابعة لإيران، والدول التي لا تزال خاضعة لنفوذها، وفي طليعتها لبنان، الذي مُنح كل الفرص وتلقّى الدعم العربي والدولي والمحلي للقيام بدوره والالتحاق بهذا التوجه. ويعني ذلك إنهاء الجماعات المسلحة والمظاهر الميليشياوية، وعودة لبنان كدولة عربية مستقرة، كما ينصّ دستوره الذي يؤكد أن لبنان بلد عربي الهوية والانتماء، وأن الدولة وحدها هي صاحبة السيادة. لذلك، عليه أن ينضم إلى هذا التوجه الجديد الذي قطع شوطاً كبيراً في المنطقة”.


وشدّد على أن “طبيعة المرحلة، والتحولات الجيوـ سياسية الكبرى، تفرض على لبنان الالتحاق بهذا المسار”.


أضاف: “بمعزل عن القرارات الدولية والتدخلات الأجنبية، إذا التزمنا بدستورنا، يمكن للبنان أن يكون دولة ذات سيادة، قادرة على مواكبة التغيير، والانخراط في مسار التنمية وإنقاذ نفسه من حالته الراهنة إلى واقع مشرق وجديد”.


وأشار صخر إلى أن “سوريا، بقيادة رئيسها أحمد الشرع، استطاعت قراءة المتغيرات والتعامل معها، فأنقذ بلاده من واقع بائس، وبدأت مرحلة التجدد، خصوصاً مع تدفق المساعدات والأموال. هذا المسار لم يأتِ فقط من باب فرض الاستقرار، بل هو مشروط بإطلاق عملية سلام جديدة، قد تبدأ بتوقيع اتفاقيات إبراهيمية أو اتفاقات أمنية تنهي النزاع مع إسرائيل. فإسرائيل، بعد 7 تشرين الأول، باتت تعتبر أمنها مهدّداً وتطالب بضمانات طويلة الأمد”.


وأوضح أن “العقبة الرئيسية تتمثّل في الالتباس الأميركي بشأن شرط أساسي تطرحه الدول العربية، وهو ضرورة التوصل إلى حل الدولتين، ومنح الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم في دولة مستقلة. فبينما تتقاطع النظرة الأميركية مع التوجه العربي ـ الإقليمي، لا تزال المواقف الأميركية غامضة تجاه هذا المطلب”.



وتابع: “طالما تمّ إضعاف الإسلام السياسي بشقّيه: السني (الإخوانية) والشيعي (الخمينية)، فإن المرحلة المقبلة تستوجب إضعاف اليمين المتطرف في إسرائيل. فعملية السلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن تنطلق بوجود حكومة متطرفة قائمة على المجازر والإبادات، بل تتطلب تحوّلاً في الحكم داخل إسرائيل من التشدد إلى الاعتدال، أي من سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى نهج وزراء أكثر اعتدالاً”.

ولفت إلى أن “هذا هو العنصر الناقص الوحيد لاستكمال المشهد كلياً، وتحقيق السلام ونقل الشرق الأوسط من حال اللااستقرار إلى حالة من الاستقرار الدائم، وتحرير الجغرافيا من سيطرة الميليشيات، وتمكين الشعوب من استعادة القرار الوطني. وعندها، سينتهي الدور التوسعي لإيران، التي ستنكمش داخل جغرافيتها، وقد تتلقى ضربة ثانية تُجبرها على التخلي عن أذرعها، لتتحول إلى دولة فاعلة إيجابياً في الشرق الأوسط الجديد”.

وعن التوازن بين الإرادة المحلية اللبنانية والضغوط الإقليمية والدولية، أشار صخر إلى أن “هذا التوازن لا يزال قاصراً، وغير مدرك للتحولات والمتغيرات، وغافل عن المسار الجديد. فلبنان الرسمي لا يُدرك حجم المخاطر في حال استمراره على هذا النهج، ومن الواجب عليه الالتحاق بالتغيير الحاسم الحالي في المنطقة”.

أما بشأن حديث الموفد الأميركي توم براك عن ضمّ لبنان إلى “بلاد الشام”، لفت صخر إلى أن “الأخير أرسل رسالة تنبيه وإفهام، مفادها أن هناك تحولاً جديداً، وإذا لم تلتحقوا به، فستدفعون الثمن. حديثه جاء بلهجة ديبلوماسية ناعمة، لكنه في الحقيقة كان بمثابة حثّ وضغط وهزّ لعقول المسؤولين اللبنانيين، من أجل التحرك قبل فوات الأوان، والانضمام إلى قافلة الشرق الأوسط الجديد”.

وأوضح أن “لبنان، بدل أن يكون عضواً فاعلاً وذا قرار في هذا الشرق الأوسط، سيبقى ملحقاً عديم التأثير، لأنه لم يعد مسموحاً لأي طرف أن يشكل عائقاً أمام انطلاقة مشروع الشرق الأوسط الجديد”.

المشهد لم يعد يحتمل التردد أو المماطلة. لبنان اليوم أمام لحظة فارقة لا تقبل التجزئة، إما أن ينخرط في المشروع الجديد الذي يعيد بناء الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط، أو يواجه واقعاً من التبعية القسرية والعزلة التي قد تفرض عليه من دون اختيار. الوقت ينفد، والفرصة الأخيرة تُقرع أبواب من يظل في الظل. القرار بيد لبنان، لكن النتائج لن تكون رحيمة لمن يتلكأ، المشهد بات واضحاً، والخيار لم يعد ترفاً، بل شرط بقاء، فالمعادلة لم تعد تحتمل التأويل.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: