يتقدم ملف التفاوض إلى صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي، في وقت تجد فيه الدولة اللبنانية نفسها غير قادرة على الحصول على أي جواب واضح من الجانب الإسرائيلي حول المسائل المطروحة.
هذا الغياب للتجاوب لا يعبّر عن تردد، بل هو واقع يفرض على بيروت إدارة ملف معقد ضمن سياق ديبلوماسي دقيق، حيث تُصارع لإيصال رسائلها بينما تبقى استجابات الطرف الآخر غائبة أو متقطعة. ويصبح لبنان بذلك ساحة اختبار للقدرة على ضبط الإيقاع، إذ يبقى القرار اللبناني مختطفاً من قبل الحزب وتحت وصاية إيرانية، والمتحدث باسمه هو "الأخ الأكبر"، وفهم نوايا الأطراف، قبل أي دخول فعلي في مفاوضات أو خطوات عملية، ما يجعل كل حركة في هذا الملف محكومة بحساسية عالية وتقديرات دقيقة.
فالمشهد يتشكل تحت وطأة مراقبة دولية دقيقة، وتقاطعات إقليمية متشابكة، وسباق واضح بين من يريد فرض وقائع ميدانية ومن يسعى لانتزاع مكاسب عبر طاولة التفاوض.
في هذا السياق، لفتت مصادر ديبلوماسية لموقع LebTalks الى ان ما تحاول الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس القيام به هو التأكد من أن خطة جنوب الليطاني تسير بالشكل الصحيح.
وأشارت هذه المصادر إلى أن مجلس الأمن كان بحث في القرار 1701 الذي يندرج ضمنه ملف الجنوب، وهو يتابع كامل الوضع الأمني هناك. وقد جمعت اورتاغوس جميع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن بهذا الاجتماع للاستماع إلى الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وإلى لجنة الميكانيزم، بهدف الحصول على معلومات دقيقة عمّا يحدث وتقييم الوضع الأمني في الجنوب، بما في ذلك وضع حزب الله وسلاحه، والتأكد من المزاعم الإسرائيلية حول إعادة التسلّح وبناء الترسانة.
أضافت المصادر أن سفراء الدول الأربع عشرة مدعوون، لكن لا معلومات دقيقة حول العدد الذي سيحضر إلى لبنان.
وفي ما يخص المفاوضات، لفتت المصادر إلى أن ثمّة مخططاً إسرائيلياً غامضاً. وبحسب المعلومات، فإن في الرأي الأميركي، وتحديداً لدى أورتاغوس، ستتم المفاوضات، لكن هناك تفاصيل يتم العمل عليها، والجانب الإسرائيلي يستفسر عنها.
أما الجانب اللبناني، فباقٍ بلا جواب، ويرسل عبر الأميركيين رسائل عدة تتضمّن مطالبه في ما يخص هذا الموضوع.
وذكّرت المصادر بأنه عند طرح موضوع المفاوضات أول مرة، قدّمت إسرائيل شروطاً، فقبل بها الجانب اللبناني، ثم توقف الجانب الإسرائيلي عن "الأخذ والرد". وتساءلت المصادر عمّا اذا كانت اسرائيل تريد الحرب قبل التفاوض.
وختمت المصادر بالإشارة إلى أن الإسرائيليين يريدون إبقاء الجانب اللبناني تحت الضغط كي يرضخ لشروطهم، لأن قرار الدولة اللبنانية في ما يخص التفاوض سينبعث من رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله، وسيُمارَس الضغط على الدولة اللبنانية ككل لكي تصل الرسالة إلى الحزب و"الأخ الأكبر".
انطلاقاً من هذا الواقع، يتّضح أن المرحلة الراهنة ليست مرحلة إعلان مواقف بقدر ما هي لحظة إعادة ترتيب للخيارات. فاختلاف الإيقاع بين الطرفين لا يعني خللًا، بل يعكس طبيعة التفاوض نفسه، طرف يسعى إلى استكشاف الحدود بسرعة، وطرف يوازن بين المعطيات ويؤجل الجواب ريثما تتضح الصورة كاملة.
وفي ظل هذا التباين، يبقى لبنان مساحة حساسة تبنى حولها الحسابات بدقة، فيما تُترك احتمالات المستقبل مفتوحة على مسار تفاوضي قد يتبلور تدريجياً، أو على مشهد أكثر تعقيداً تُرسم معالمه وفق توازن اللحظة لا وفق الضغوط الظاهرة.